ترجّل من عربته على بعيدًا من مقرّ عمله، بعدما طلب من السائق ألّا يمرّ عليه اليوم، سار بخطوات بطيئة إلى الدائرة، حيث يعمل مفتشًا ماليًا فيها، لم ينتبه أحد لقدومه، وقبل ان يصل لمكتبه سمع أصواتًا تتعالى بين أحد الموظّفين ومواطن عرفه من نبرة صوته، توقّف في مكانه ليستمع لحوارهما، أخذ العرق يتصبّب من جبهته، وبدت علامات الغضب ترسم ملامحها على وجهه، لكنّه آثر البقاء بعض الوقت ليتبين حقيقة الأمر.
- حاول إعفائي من الضرائب أو التخفيف منها.
فردّ الموظف بامتعاض:
- لا يمكن ذلك، هذا يخالف ضميري المهني والإنساني.
- يا رجل، سأعطيك مبلغًا بقدر راتبك لمدة عام، وأعلم بوضعك المادّي الخانق.
- لا، سيدي، صعب جدًّا، ثم سيدقق المسؤول في الأمر، ربما يطردني.
أجاب المراجع بهدوء مفتعل:
- لا عليك من المسؤول، أنا سأتدبّر أمره.
تساءل الموظف باستغراب مشوب بالخوف:
- كيف؟
استند المراجع بيديه على مكتب الموظف كأنه يهمس له:
- بقليل من المال يمكنني نقله من مكانه، بل وسحب المسؤولية منه.
انتبه الموظف للمسؤول يقف عند الباب، فغمز للمراجع أن يسكت، فلم ينتبه إلّا على صوت يأتيه من الخلف:
- بوركت إيّها الموظف النزيه.
خرج المراجع من دون إلقاء التحية بعد أن نظر نظرة استهزاء للمسؤول.. وبعد أيّام مرّ الموظف بسيارته الفاخرة على مسؤوله السابق ليشرب معه الشاي بعدما أحيل للتقاعد لأسباب مجهولة.