*****
أفضلية الصِّدِّيق من ستة أوجه في آية واحدة
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) التوبة
1ـ أنَّ الكفار أخرجوه:
الكفار أخرجوا الرسول (ثاني اثنين) فلزم أن يكونوا أخرجوهما، وهذا هو الواقع.
2ـ أنَّه صاحبه الوحيد:
الذي كان معه حين نصره الله؛ إذ أخرجه الذين كفروا هو وأبو بكر، وكان ثاني اثنين، الله ثالثهما. قوله: ففي المواضع التي لا يكون مع النبيِّ {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} من أكابر الصَّحابة إلا واحدٌ يكون هو ذلك الواحد مثل سفره في الهجرة، ومقامه يوم بدرٍ في العريش لم يكن معه فيه إلا أبو بكر، ومثل خروجه إلى قبائل العرب يدعوهم إلى الإسلام كان يكون معه من أكابر الصَّحابة أبو بكر، وهذا اختصاصٌ في الصُّحبة لم يكن لغيره باتِّفاق أهل المعرفة بأحوال النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
3ـ أنَّه صاحبه في الغار:
قوله: {لاَ تَحْزَنْ}، يدلُّ على أنَّ صاحبه كان مشفقاً عليه محبّاً ناصراً له، وإنَّما يحزن الإنسان حال الخوف على مَنْ يحبه، وكان حزنه على النبيِّ صلى الله عليه وسلم لئلاّ يقتل
الفضيلة في الغار ظاهرةٌ بنصِّ القران، وقد جاء في الصحيحين من حديث أنسٍ، عن أبي بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله! لو أنَّ أحدهم نظر إلى قدميه؛ لأبصرنا. فقال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر! ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثُهما». وهذا الحديث مع كونه ممّا اتفق أهل العلم على صحَّته، وتلقِّيه بالقَبُول، فلم يختلف في ذلك اثنان منهم؛ فهو ممّا دلَّ القرآن على معناه.
4ـ أنَّه صاحبه المطلق:
قوله: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ}، لا يختص بمصاحبته في الغار فقط، بل هو صاحبه المطلق.
5ـ أنَّه المشفق عليه:
قوله: {لاَ تَحْزَنْ}، يدلُّ على أنَّ صاحبه كان مشفقاً عليه محبّاً ناصراً له، وإنَّما يحزن الإنسان حال الخوف على مَنْ يحبه، وكان حزنه على النبيِّ صلى الله عليه وسلم لئلاّ يقتل، ويذهب الإسلام، ولهذا لمّا كان معه في سفر الهجرة كان يمشي أمامه تارةً، ووراءه تارةً، فسأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: أذكر الرَّصد فأكون أمامك، وأذكر الطَّلب فأكون وراءك. قال: فلما انتهينا إلى الغار قال أبو بكر: يا رسول الله! كما أنت حتّى أقمَّه.. فلمّا رأى أبو بكر جحراً في الغار، فألقمها قدمه، وقال: يا رسول الله! إن كانت لسعةً، أو لدغةً كانت بي. فلم يكن يرضى بمساواة النبيِّ، بل كان لا يرضى بأن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يعيش، بل كان يختار أن يفديه بنفسه، وأهله، وماله. وهذا واجب على كلِّ مؤمن، والصِّدِّيق أقوم المؤمنين بذلك.
6ـ المشارك له في معيَّة الاختصاص:
قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، صريحٌ في مشاركة الصدِّيق للنبيِّ في هذه المعيَّة، التي اختصَّ بها الصِّدِّيق لم يشركه فيها أحدٌ من الخلق.. وهي تدلُّ على أنَّه معهما بالنَّصر، والتأييد، والإعانة على عدوِّهما ـ فيكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد أخبر: أنَّ الله ينصرني، وينصرك يا أبا بكر! ويعيننا عليهم، نصر إكرامٍ ومحبةٍ، كما قال الله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ *} [غافر: 51]. وهذا غاية المدح لأبي بكرٍ؛ إذ دلَّ على أنَّه ممن شهد له الرسول بالإيمان المقتضي نصر الله له مع رسوله في مثل هذه الحال التي يخذل فيها عامَّة الخلق إلا مَنْ نصره الله.
وقال الدكتور عبد الكريم زيدان عن المعيَّة في هذه الآية الكريمة: وهذه المعيَّة الربَّانيَّة المستفادة من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، أعلى من معيَّته والمحسنين في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ *} [النحل: 128] لأنَّ المعيَّة هنا لذات الرَّسول، وذات صاحبه، غير مقيَّدة بوصفٍ هو عملٌ لهما، كوصف التَّقوى، والإحسان، بل هي خاصَّةٌ برسوله، وصاحبه، مكفولةٌ هذه المعيَّة بالتأييد بالآيات، وخوارق العادات.
هذا والله اعلم