آخر المواضيع

  • مواضيع مميزة
  • <-> عساكم بألف خير <-> الفرق بين الأنا والأنانية <-> مضافة العمادة <-> زومبي <-> الفن القصصي بين النمطية والحداثة البنيوية <-> هي وجسد نصّه <-> قيد <-> قلب .. الفائز بالمركز الأول في المسابقة 2021 <-> استغفال\\ الفائز بالمرتبة الثانية في المسابقة 2021 <-> هلع حقيبة\\ الفائز بالمركز الثالث في المسابقة 2021 <->
  • مواضيع ننصح بمشاهدتها
  • <-> المسابقة التشاركية- بنك المعلومات <-> فن الرواية \ كولن ولسون <-> الكذاب البريء!! <-> قنديل الرغائب <-> كيف تستغني عن مراكز رفع الملفات <-> ما هي القصة القصيرة جدا \ م الصالح <-> مصراع نور \ م الصالح <-> نبارك للفائزين في المسابقات الرمضانية <-> الوطن ..خديعة كبرى <-> الومضة الحكائية والشعرية ..موروث عربي <->
  • مواضيع إلزامية
  • <-> عضو جديد! تفضل من هنا لو سمحت <-> أهلا بكم في منتداكم الجديد <->

    صفحة 1 من 11 12345678910 ... الأخيرةالأخيرة
    النتائج 1 إلى 10 من 109

    الموضوع: موسوعة اليوم الآخر

    1. #1


      أديب
      الصورة الرمزية مصطفى الصالح
      تاريخ التسجيل
      May 2020
       الحالة : مصطفى الصالح غير متواجد حالياً
      الإقامة
      في الغربة
       البلد : فلسطين
        العمل : مهندس ومترجم
       هواياتي : القراءة والكتابة والترجمة
       التقييم : 603
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      5,343
      بمعدل يومياً
      مقالات المدونة
      6
      معدل تقييم المستوى
      10

      موسوعة اليوم الآخر

      كتب في العقيدة
      الكتاب السادس: الإيمان باليوم الآخر




      تمهيد.
      الباب الأول: القيامة الصغرى.
      الباب الثاني: أشراط الساعة.
      الباب الثالث: القيامة الكبرى.
      الباب الرابع: الجنة والنار.

      تمهيد


      إن الإيمان بالبعث أمر معلوم من الدين بالضرورة، ومنكره خارج عن الإسلام. ولقد خص ذكر اليوم الآخر بمزيد من العناية والتعظيم لشأنه في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع على ذلك المسلمون.....
      - عناية الكتاب والسنة بالإيمان باليوم الآخر:
      إن المتتبع لطريقة القرآن الكريم في مجادلة خصوم العقيدة؛ يجد أن الاهتمام باليوم الآخر أخذ قسطاً واسعاً من تلك الحجج والبراهين الدامغة لمنكري اليوم الآخر، وكذا في السنة المطهرة، ويتمثل ذلك فيما يلي:
      1- ربط الله تعالى الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر:
      كما قال تعالى: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ، وكذا قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [ البقرة: 62]، فنحن نرى كيف ربط الله تعالى الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر, وجعله في المرتبة الثانية بعد الإيمان بالله.
      فلا إيمان إذاً للشخص وإن قال أنه مؤمن بالله حتى يؤمن باليوم الآخر كإيمانه بالله تعالى، وإن المفرق بينهما لا حظَّ له من الإيمان وإن ادعاه، وقد كان كثير من الكفار يؤمنون بالله ولكنهم يجحدون اليوم الآخر؛ فلم ينفعهم ذلك الإيمان, وأباح الله للمؤمنين دماءهم وأموالهم لأنهم كفار.
      ويتمثل كذلك ربط الإيمان بالله باليوم الآخر من السنة المطهرة في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم)) (1) ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) (2) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر)) (3) .
      2- الإكثار من ذكره في القرآن الكريم و في السنة النبوية:
      فقلما تخلو سورة من سور القرآن عن التحدث عنه وتقريبه إلى الأذهان بشتى الأساليب، من إقامة للحجة والبرهان، أو من ضرب الأمثال، كالاستدلال بالنشأة الأولى، وكذا خلق السموات والأرض, وإحياء الأرض بعد موتها - على الإعادة، وما إلى ذلك من المسالك التي سلكها القرآن الكريم ...
      3- كثرة الأسماء التي جاءت له في القرآن الكريم:
      فقد وردت أسماء كثيرة وكلها تبين ما سيقع في هذا اليوم من أهوال (4) .
      ومعلوم من أساليب العرب أنهم يكثرون الأسماء للشيء إذا كان ذا أهمية وشأن، وقد نزل القرآن بلغتهم.
      ولتلك العناية أسباب نذكرها فيما يلي:
      بعض أسباب العناية باليوم الآخر:
      لقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في وقت انمحت فيه كثير من الأمور التعبدية، وجهلت فيه على الخصوص عقيدة الإيمان باليوم الآخر، فلم تعد على ذلك الوضوح الذي كان في زمن الأنبياء، بل صارت بتطاول الزمن عقيدة محرفة بعيدة عن الصواب والواقع، فلم تبق من معالم الإيمان باليوم الآخر إلا بقايا رسوم؛ هي إلى الاندثار أقرب منها إلى التماسك، ليس عند جهة أو قوم بل في كل بقاع الأرض, وعند كل أمة عربية أو غير عربية، اللهم إلا ما ورد عن أناس بخصوصهم من العرب بقوا على الحنفية ملة إبراهيم.
      فالعرب منهم مشركون ينكرون اليوم الآخر أساساً، وأهل الكتاب من يهود ونصارى –وإن كانوا يؤمنون باليوم الآخر عموماً – لكنهم على جهل كبير بحقيقته, وما ينبغي اعتقاده فيه، وغير هؤلاء وثنيون أو مجوس لا يؤمنون به مطلقاً عند بعضهم، وعند بعضهم الآخر يؤمنون أن هناك عودة للروح، لكنه لا يمت إلى الإيمان باليوم الآخر كما جاءت به الأنبياء بأي صلة، كما هو الحال عند الهنود والبوذيين وغيرهم من الفرق الضالة.
      وعلى هذا فمن أسباب تلك العناية ما يلي:
      1- إنكار المشركين لليوم الآخر أشد الإنكار، ونسبة ما يشاهد من الإحياء والإماتة إلى الدهر، دون أن يكون هناك تنظيم لهذا التغير المستمر أو هدف من وراء هذا الخلق: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ [ الجاثية: 24].
      فكان من الأمور البديهية أن ينزل القرآن بتلك الحجج القوية ليشد من أزر الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة ذلك السيل الجارف من الجحود لليوم الآخر.
      2- ... فإن أهل الكتاب وإن كانوا يؤمنون باليوم الآخر لكنهم لم يكونوا على العقيدة الصحيحة فيه، فقد حرفوه وبلغوا به منتهى الفساد، وحتى صاروا فيه كالوثنيين من هنود وبوذيين، وذلك من ناحية أن الهنود يعتقدون في كرشنة أنه هو المخلص لهم من الآلام (5) .
      والنصارى – بخصوصهم – يعتقدون في عيسى أنه هو المخلص لأمته من عقوبة الخطايا في الآخرة؛ فالكل في الجنة والنعيم (6) .
      وأما اليهود فقد اختلفوا في الإيمان باليوم الآخر، وحتى نفس هذا الاختلاف بعيد كل البعد عن حقيقة اليوم الآخر.
      3- ومن الأسباب التي جعلت القرآن الكريم يهتم باليوم الآخر ذلك الاهتمام الشديد، هو التأكيد على أن هذه الحياة إنما جعلت لهدف أعلى وغاية سامية، فلولا أن هناك يوماً يجازى فيه المحسن بإحسانه, والمسيء بإساءته؛ لما كان هناك فرق بين عمل الخير وعمل الشر، ولا كانت هناك فضائل ولا رذائل، فالحياة فوضى, والمصير مجهول, ولا وازع نفسي, ولا ضمير حي.
      إذاً فلا عجب إن رأينا الإسلام يهتم بذكر اليوم الآخر, ويحث على الإيمان به, ويجعله من أهم القضايا الأساسية التي لا يمكن أن يسمى الشخص مؤمناً إلا إذا جاء بها, معتقداً صحتها في قرارة نفسه.
      فالإسلام خاتم الديانات ورسوله خاتم المرسلين، ولا عجب كذلك حينما نرى ونقرأ حقائق وتفاصيل عن اليوم الآخر لم تكن معلومة عند أهل الديانات السابقة.
      وهذا هو الذي حمل بعض الفلاسفة ومن سار على طريقهم على القول بأنه لم يفصح بمعاد الأبدان إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (7) ، ...
      ولأن تلك التفاصيل لم تكن معلومة لدى الكفار من قريش وغيرهم؛ نرى أن الإسلام قد سلك مسالك شتى وطرقاً متعددة في إقناع الكفار بالإيمان باليوم الآخر، مبيناً أن هذا الكون لابد وأن ينتهي ويزول كل أثر له، وأنه لم يخلق عبثاً دون حساب وجزاء. (8)





    2. #2


      أديب
      الصورة الرمزية مصطفى الصالح
      تاريخ التسجيل
      May 2020
       الحالة : مصطفى الصالح غير متواجد حالياً
      الإقامة
      في الغربة
       البلد : فلسطين
        العمل : مهندس ومترجم
       هواياتي : القراءة والكتابة والترجمة
       التقييم : 603
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      5,343
      بمعدل يومياً
      مقالات المدونة
      6
      معدل تقييم المستوى
      10
      ..

      الباب الأول: القيامة الصغرى



      الفصل الأول: الاحتضار.
      الفصل الثاني: الإيمان بالموت.
      الفصل الثالث: سكرات الموت.
      الفصل الرابع: حال الإنسان عند الاحتضار.
      الفصل الخامس: أهوال القبور.
      الفصل السادس: عذابُ القبر ونعيمه.
      الفصل السابع: الروح والنفس.

    3. #3


      أديب
      الصورة الرمزية مصطفى الصالح
      تاريخ التسجيل
      May 2020
       الحالة : مصطفى الصالح غير متواجد حالياً
      الإقامة
      في الغربة
       البلد : فلسطين
        العمل : مهندس ومترجم
       هواياتي : القراءة والكتابة والترجمة
       التقييم : 603
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      5,343
      بمعدل يومياً
      مقالات المدونة
      6
      معدل تقييم المستوى
      10
      الفصل الأول: الاحتضار


      تمهيد.
      المبحث الأول: تعريف الاحتضار.
      المبحث الثاني: حضُور ملائكة الموت.
      المبحث الثالث: مع ملك الموت ملائكة يعاونونه في قبض الروح .
      المبحث الرابع: حضور الشيطان عند الموت

    4. #4


      أديب
      الصورة الرمزية مصطفى الصالح
      تاريخ التسجيل
      May 2020
       الحالة : مصطفى الصالح غير متواجد حالياً
      الإقامة
      في الغربة
       البلد : فلسطين
        العمل : مهندس ومترجم
       هواياتي : القراءة والكتابة والترجمة
       التقييم : 603
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      5,343
      بمعدل يومياً
      مقالات المدونة
      6
      معدل تقييم المستوى
      10
      تمهيدالتشكيل


      ويدخل في الإيمان باليوم الآخر (الإيمان بالموت) الذي هو المفضي بالعبد إلى منازل الآخرة، وهو ساعة كل إنسان بخصوصه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث.....: ((إنْ يعش هذا لَمْ يُدْرِكْهُ الهرم قامَتْ عليكم ساعَتُكُمْ)) (1) (2)

    5. #5


      أديب
      الصورة الرمزية مصطفى الصالح
      تاريخ التسجيل
      May 2020
       الحالة : مصطفى الصالح غير متواجد حالياً
      الإقامة
      في الغربة
       البلد : فلسطين
        العمل : مهندس ومترجم
       هواياتي : القراءة والكتابة والترجمة
       التقييم : 603
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      5,343
      بمعدل يومياً
      مقالات المدونة
      6
      معدل تقييم المستوى
      10
      المبحث الأول: تعريف الاحتضار


      الحضور: نقيض المغيب والغيبة، يقال: حَضَر الرجل يَحْضُرُ حُضُوراً وحِضَارة، ويعدّى فيقال: حَضَرَه، يَحْضُرُهُ، وأحْضَرَ الشيء وأَحْضَرَه إياه، وكان ذلك بِحَضْرَةِ فلان وحِضْرَته وحُضْرَتِهِ، وحَضَرِه ومَحْضَرِه، وكلّمته بِحَضْرَةِ فُلان وبمَحْضَرٍ منه، أي بمشهد منه.
      وحَضْرَةُ الرجل: قُرْبه وفِناؤه، والحَضْرة: قرب الشيء، يقال: أُكْرِم فلانُ بِحَضْرة فلان وبمَحْضَرِه، ويقال: حَضَرَت الصَلاة.
      ورجل حَضِرٌ وحَضُرٌ: يتحيّن طعام الناس حتى يَحْضُرَه، تقول العرب: اللبن مُحْتضِرٌ ومَحْضُوْرٌ فَغَطِّه: أي كثير الآفة، يعني يحتضره الجنّ والدواب وغيرها.
      وقولـه تعالى: وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون: 98] أي: أعوذ بك من حضور الشياطين في شيء من أمري (1) .
      وحضره الهمُّ واحْتضره وتَحَضّرَه إذا نزل به.
      وحُضِر المريض واحْتُضِرَ إذا نزل به الموت (2) .
      نخلص مما سبق إلى أن الاحتضار هو حضور الموت ونزوله بالعبد. (3)

    6. #6


      أديب
      الصورة الرمزية مصطفى الصالح
      تاريخ التسجيل
      May 2020
       الحالة : مصطفى الصالح غير متواجد حالياً
      الإقامة
      في الغربة
       البلد : فلسطين
        العمل : مهندس ومترجم
       هواياتي : القراءة والكتابة والترجمة
       التقييم : 603
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      5,343
      بمعدل يومياً
      مقالات المدونة
      6
      معدل تقييم المستوى
      10
      المبحث الثاني: حضُور ملائكة الموت

      إذا حان الأجل وشارفت حياة الإنسان على المغيب أرسل الله رسل الموت لسلِّ الروح المدبِّرة للجسد والمحركة له،*وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ*[الأنعام: 61]، وملائكة الموت تأتي المؤمن في صورة حسنة جميلة، وتأتي الكافر والمنافق في صورة مخيفة، ففي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:*((إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مدَّ بصره، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة -وفي رواية: المطمئنة- اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان. قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء، فيأخذها... وإن العبد الكافر -وفي رواية الفاجر- إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة -غلاظ شداد- سود الوجوه، معهم المسوح -من النار- فيجلسون منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود -الكثير الشعب- من الصوف المبلول، -فتقطع معها العروق والعصب-))**(1)*.
      وما يحدث للميت حال موته لا نشاهده ولا نراه، وإن كنا نرى آثاره، وقد حدثنا ربنا تبارك وتعالى عن حال المحتضر فقال:*فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ - وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ - وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ*[الواقعة: 83-85 ]: والمتحدث عنه في الآية الروح عندما تبلغ الحلقوم في حال الاحتضار، ومن حوله ينظرون إلى ما يعانيه من سكرات الموت، وإن كانوا لا يرون ملائكة الرحمن التي تسلُّ روحه*وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ*[الواقعة: 85]*كما قال تعالى:*وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ*[الأنعام: 61].
      وقال في الآية الأخرى:*كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ*[القيامة: 26-30]*والتي تبلغ التراقي هي الروح، والتراقي جمع ترقوة وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق**(2)*.
      وقد صرح الحديث بأن ملك الموت يبشر المؤمن بالمغفرة من الله والرضوان، ويبشر الكافر أو الفاجر بسخط الله وغضبه، وهذا قد صرحت به نصوص كثيرة في كتاب الله، قال تعالى:*إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ*[فصلت: 30-32].
      وهذا التنزُّل – كما قال طائفة من أئمة التفسير منهم مجاهد والسدي – إنما يكون حالة الاحتضار**(3)*، ولا شك أن الإنسان في حالة الاحتضار يكون في موقف صعب، يخاف فيه من المستقبل الآتي، كما يخاف على من خلَّف بعده، فتأتي الملائكة لتؤمنه مما يخاف ويحزن، وتُطَمئِنُ قلبه، وتقول له: لا تخف من المستقبل الآتي في البرزخ والآخرة، ولا تحزن على ما خلفت من أهل وولد أو دَيْنٍ، وتبشره بالبشرى العظيمة،*وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ*[فصلت: 30]،*وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ*[فصلت: 31]، وما دام العبد قد تولى الله وحده، فإن الله يتولاه دائماً، وخاصة في المواقف الصعبة، ومن أشقها هذا الموقف،*نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ*[فصلت: 31]. أما الكفرة الفجرة فإن الملائكة تتنزل عليهم بنقيض ذلك*إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا*[النساء: 97]، وقد نزلت هذه الآية كما أخرج البخاري عن ابن عباس في فريق أسلم، ولكنه لم يهاجر فأدركه الموت، أو قتل في صفوف الأعداء**(4)*، فإن الملائكة تقرِّع هؤلاء في حال الاحتضار وتوبخهم، وتبشرهم بالنار.
      وقد حدثنا ربنا عن توفي الملائكة للكفرة في معركة بدر فقال:*وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ - ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ*[الأنفال: 50-51].
      قال ابن كثير في تفسير الآيات: (ولو ترى يا محمد حال توفي الملائكة أرواح الكفار لرأيت أمراً عظيماً فظيعاً منكراً، إذ يضربون وجوههم وأدبارهم، ويقولون ذوقوا عذاب الحريق)**(5)*.
      وقد أشار المفسر المدقق العلامة ابن كثير إلى أن هذا وإن كان في وقعة بدر، ولكنه عام في حق كل كافر، ولهذا لم يخصصه تعالى بأهل بدر، بل قال:*وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ..**(6)*.
      وهذا الذي قاله ابن كثير صحيح يدل عليه أكثر من آية في كتاب الله تعالى، كقوله:*فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ*[الأعراف: 37]، وقوله:*الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ*[النحل: 28]، وقوله:*إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ*[محمد: 25-27].**(7)

    7. #7


      أديب
      الصورة الرمزية مصطفى الصالح
      تاريخ التسجيل
      May 2020
       الحالة : مصطفى الصالح غير متواجد حالياً
      الإقامة
      في الغربة
       البلد : فلسطين
        العمل : مهندس ومترجم
       هواياتي : القراءة والكتابة والترجمة
       التقييم : 603
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      5,343
      بمعدل يومياً
      مقالات المدونة
      6
      معدل تقييم المستوى
      10
      المبحث الثالث: مع ملك الموت ملائكة يعاونونه في قبض الروح

      إذا حان أجل العبد وأراد الله تعالى قبض روحه أرسل إليه ملك الموت ومعه ملائكة يعاونونه على قبض روح ذلك العبد، قال تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ [الأنعام: 61]، فقولـه: حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ أي احتضر وحان أجله، تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا أي ملائكة موكلون بذلك، روى ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس وغير واحد قولهم: إن لملك الموت أعواناً من الملائكة يخرجون الروح من الجسد فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم (1) .
      يقول الطبري: (يقول تعالى ذكره: إن ربكم يحفظكم... إلى أن يحضركم الموت، وينْزل بكم أمر الله وإذا جاء ذلك أحدكم توفاه أملاكنا الموكلون بقبض الأرواح ورسلنا المرسلون به وهم لا يفرطون في ذلك، فيضيعونه؛ فإن قال قائل: أو ليس الذي يقبض الأرواح ملك الموت فكيف قيل تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا والرسل جملة، وهو واحد، أو ليس قد قال يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [ السجدة: 11]، قيل جائز أن يكون الله تعالى أعان ملك الموت بأعوان من عنده، فيتولون ذلك بأمر ملك الموت، فيكون التوفي مضافاً، وإن كان ذلك من فعل أعوان ملك الموت إلى ملك الموت؛ إذ كان فعلهم ما فعلوا من ذلك بأمره، كما يضاف قتل من قتل أعوان السلطان، وجلد من جلدوه بأمر السلطان إلى السلطان، وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه، ولا وليه بيده) (2) .
      فالمتأمل في نصوص القرآن الكريم يدرك أن الله سبحانه وتعالى أسند التوفي للملائكة كما في قوله تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ [النحل: 28]، وقوله:الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ [ سورة النحل: 32]، وقوله تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا، وغيرها من الآيات، وأسنده في آية أخرى لملك الموت، قال تعالى:قل يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ، وأسنده سبحانه في آية أخرى إليه جل وعلا، قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [ الزمر: 42]، ولا معارضة بين الآيات المذكورة، فإسناد التوفي إليه سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يموت أحد إلا بمشيئته وإذنه كما قال تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً [ آل عمران: 145]، وإسناده لملك الموت؛ لأنه هو المأمور بقبض الأرواح، وإسناده للملائكة؛ لأن لملك الموت أعواناً من الملائكة ينْزعون الروح من الجسد إلى الحلقوم؛ فيأخذها ملك الموت) (3) . (4

    8. #8


      أديب
      الصورة الرمزية مصطفى الصالح
      تاريخ التسجيل
      May 2020
       الحالة : مصطفى الصالح غير متواجد حالياً
      الإقامة
      في الغربة
       البلد : فلسطين
        العمل : مهندس ومترجم
       هواياتي : القراءة والكتابة والترجمة
       التقييم : 603
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      5,343
      بمعدل يومياً
      مقالات المدونة
      6
      معدل تقييم المستوى
      10
      المبحث الرابع: حضور الشيطان عند الموت

      إذا حضر الموت كان الشيطان حريصاً على الإنسان حتى لا يفلت منه، ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه، حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة، فليمط ما كان بها من أذى، ثم ليأكلها، ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه، فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة)) (1) .
      وقد ذكر علماؤنا أن الشيطان يأتي الإنسان في تلك اللحظات الحرجة في صورة أبيه أو أمه أو غيرهم ممن هو شفيق عليه ناصح له، ويدعوه إلى اتباع اليهودية أو النصرانية أو غيرها من المبادئ المعارضة للإسلام، فهناك يزيغ الله من كتبت له الشقاوة (2) ، وهو معنى قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ [آل عمران: 8].
      وقد حدث عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قال: (حضرت وفاة أبي أحمد، وبيدي خرقة لأشد لحييه، فكان يغرق، ثم يفيق، ويقول بيده: لا بعد، لا بعد، فعل هذا مراراً، فقلت له: يا أبت أي شيء يبدو منك؟ قال: إن الشيطان قائم بحذائي عاض على أنامله، يقول: يا أحمد فتني، وأنا أقول: لا بعد، لا بعد، حتى أموت) (3) .
      وقال القرطبي: سمعت شيخنا الإمام أبا العباس أحمد بن عمر القرطبي، يقول: (حضرت أخا شيخنا أبي جعفر أحمد بن محمد القرطبي بقرطبة، وقد احتضر، فقيل له: لا إله إلا الله، فكان يقول: لا، لا، فلما أفاق، ذكرنا له ذلك، فقال: أتاني شيطانان عن يميني وعن شمالي، يقول أحدهما: مت يهودياً فإنه خير الأديان، والآخر يقول: مت نصرانياً فإنه خير الأديان، فكنت أقول لهما: لا، لا...) (4) . (19)
      وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث – حديث جابر بن عبد الله - على حضور الشيطان عند المحتضر؛ لإغوائه وافتتانه، كما استدلوا أيضاً بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)) (5) .
      قال ابن دقيق العيد ت 702هـ: (فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت، وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عنـد الموت، أضيفت إليه لقربها منه، ويكون المراد بفتنة المحيا على هـذا مـا قبل ذلك، ويـجوز أن يراد بها فتنة القبر) (6) .
      كما قد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية بحديث الاستعاذة من فتنة المحيا والممات على حضور الشيطان عند المحتضر لإغوائه، وأنه قد يعرض الأديان على بعض العباد، حيث قال رحمه الله: (أما عرض الأديان على العبد وقت الموت فليس هو أمراً عاماً لكل أحد، ولا هو أيضاً منتفياً عن كل أحد، بل من الناس من تعرض عليه الأديان قبل موته، ومنهم من لا تعرض عليه، وقد وقع ذلك لأقوام، وهذا كله من فتنة المحيا والممات التي أمرنا أن نستعيذ منها في صلاتنا، منها ما في الحديث الصحيح ((أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ في صلاتنا من أربع من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)) (7) ، ولكن وقت الموت أحرص ما يكون الشيطان على إغواء بني آدم؛ لأنه وقت الحاجة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((الأعمال بخواتيمها)) (8) وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)) (9) ...، ولهذا يقال: إن من لم يحج يخاف عليه من ذلك، لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ملك زاداً أو راحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام ولم يحج، فليمت إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً)) (10) ...) (11) .
      وقال في موضع آخر: (وأما عرض الأديان وقت الموت فيبتلى به بعض الناس دون بعض...) (12) .
      وذكر ابن حجر أن الأكثر والأغلب في سوء الخاتمة أنه لا يقع إلا لمن في طويته فساد أو ارتياب، ويكثر وقوعه للمصرّ على الكبائر والمجترئ على العظائم، إذ يهجم عليه الموت بغتة فيصطلمه (13) الشيطان عند تلك الصدمة، فيكون ذلك سبباً لسوء خاتمته (14) .
      ويدل على حضور الشيطان عند المحتضر قوله تعالى:وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [ المؤمنون: 97، 98]، فالمعنى: أعوذ بك أن يحضرني الشيطان في أمرٍ من أموري كائناً ما كان، سواء كان ذلك وقت تلاوة القرآن، أو عند حضور الموت، أو غير ذلك من جميع الشؤون في جميع الأوقات (15) .
      وتحدث أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح المقدسي عن حضور الشيطان عند المحتضر تحت عنوان (الفصل الثاني والعشرون في اجتهاد الشيطان على المؤمن عند الموت)، واستشهد بما رواه النسائي وأبو داود بسنديهما عن أبي اليسر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول((اللهم إني أعوذ بك من التردّي، والهدم، والغرق، والحريق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً)) (16) .
      فقولـه صلى الله عليه وسلم: ((وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت))، قال الخطابي ت388هـ في شرحه: (هو أن يستولي عليه عند مفارقة الدنيا، فيضله، ويحول بينه وبين التوبة أو يعوقه عن إصلاح شأنه والخروج من مظلمة تكون قبله، أو يؤيسه من رحمة الله، أو يكره له الموت ويؤسفه على حياة الدنيا، فلا يرضى بما قضاه الله عليه من الفناء والنقلة إلى الدار الآخرة، فيختم له، ويلقى الله وهو ساخط عليه) (17) .
      ويقول ابن الجوزي ت597هـ: (وقد يتعرض إبليس للمريض فيؤذيه في دينه ودنياه، وقد يستولي على الإنسان فيضله في اعتقاده، وربما حال بينه وبين التوبة... وربما جاء الاعتراض على المقدر؛ فينبغي للمؤمن أن يعلم أن تلك الساعة هي مصدوقة للحرب، وحين يحمى الوطيس فينبغي أن يتجلد، ويستعين بالله على العدو) (18) . (20)

    9. #9


      أديب
      الصورة الرمزية مصطفى الصالح
      تاريخ التسجيل
      May 2020
       الحالة : مصطفى الصالح غير متواجد حالياً
      الإقامة
      في الغربة
       البلد : فلسطين
        العمل : مهندس ومترجم
       هواياتي : القراءة والكتابة والترجمة
       التقييم : 603
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      5,343
      بمعدل يومياً
      مقالات المدونة
      6
      معدل تقييم المستوى
      10
      الفصل الثاني: الإيمان بالموت

      المبحث الأول: تحتم الموت على من كان في الدنيا من المخلوقات


      إن الموت واقع حتما ... على من كان في الدنيا من أهل السموات والأرض من الإنس والجن والملائكة وغيرهم من المخلوقات قال الله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: 88] وقال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27] وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185] وقال تعالى: لنبيه صلى الله عليه وسلم إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:30-31] وقال تعالى: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:34 – 35]، وقال تعالى: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [العنكبوت:56-57]، وقال تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [السجدة:11] وفي (الصحيح) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((أعوذُ بعزَّتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أَنْتَ الحيُّ الذي لا يموت، والجِنُّ والإِنسُ يَمُوتُونَ)) (1) (2)

    10. #10


      أديب
      الصورة الرمزية مصطفى الصالح
      تاريخ التسجيل
      May 2020
       الحالة : مصطفى الصالح غير متواجد حالياً
      الإقامة
      في الغربة
       البلد : فلسطين
        العمل : مهندس ومترجم
       هواياتي : القراءة والكتابة والترجمة
       التقييم : 603
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      5,343
      بمعدل يومياً
      مقالات المدونة
      6
      معدل تقييم المستوى
      10
      المبحث الثاني: الإيمان بأن الأجل محدود

      إنَّ كلًّا له أجلٌ محدود وأمدٌ ممدود ينتهي إليه لا يتجاوزه ولا يقصر عنه، وقد علم الله تعالى: جميع ذلك بعلمه الذي هو صفته، وجرى به القلم بأمره يوم خلقه، ثم كتبه الملك على كل أحد في بطن أمه بأمر ربه عز وجل عند تخليق النطفة في عينه في أي مكان يكون وفي أي زمان فلا يزاد فيه ولا ينقص منه ولا يغير ولا يبدل عما سبق به علم الله تعالى: وجرى به قضاؤه وقدره، وأنَّ كُلَّ إنسانٍ مات أو قتل أو حرق أو غرق أو بأَيِّ حتف هلك بأجله لم يستأخر عنه ولم يستقدم طرفة عين، وأن ذلك السبب الذي كان هو فيه حتفه هو الذي قدره الله تعالى: عليه وقضاه عليه وأمضاه فيه ولم يكن له بد منه ولا محيص عنه ولا مفر له ولا مهرب ولا فكاك ولا خلاص، وأنى وكيف وإلى أين ولات حين مناص، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا [آل عمران:145] الآية. وقال تعالى: قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران: 154] الآيات. وقال تعالى: أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ [النساء:78] وقال تعالى: حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام:61 – 62] وقال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34] في مواضع من القرآن، وقال تعالى: كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى [الرعد:2] وقال تعالى: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى [طه:129] وقال تعالى: وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:8] وقال تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة:8]، وقال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر:42] وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إليه مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأنعام:60] وغيرها من الآيات. وروى مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى: في (صحيحه) عن المعرور بن سويد عن عبدالله بن مسعود قال: قالت أم حبيبة رضي الله عنها: اللَّهُمَّ مَتِّعني بزوجي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّكِ سألتِ الله تعالى: لآجالٍ مضروبةٍ وآثارٍ موطوءةٍ وأرزاقٍ مقسومةٍ لا يعجل شيء منها قبل حله ولا يؤخر منها يوماً بعد حله، ولو سألت الله تعالى: أنْ يعافيك من عذابٍ في النار وعذابٍ في القبر لكانَ خيراً لكِ)) (1) . وفي رواية: ((قد سألتِ الله لآجالٍ مضروبةٍ وأيام معدودةٍ وأرزاقٍ مقسومةٍ لَنْ يعجل شيئاً قبل حله أو يؤخر شيئاً عن حله، ولو كُنتِ سألتِ الله تعالى: أن يعيذكِ من عذابٍ في النار أو عذابٍ في القبر كانَ خيراً وأفضل)) (2) وفي أخرى ((وآثارٍ مبلوغةٍ)) (3) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [فاطر:11] يقول: ((ليس أحد قضيت له بطول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر، وقد قضيت ذلك له فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له، فذلك قوله تعالى: وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [فاطر:11] يقول كل ذلك في كتاب عنده)) (4) . وهكذا قال الضحاك بن مزاحم. وأما حديث أنس في (الصحيحين) وغيرهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنْ سَرَّهُ أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه)) (5) فإنه يفسر بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه عند ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى: قال: ذكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الزيادة في العمر فقال: ((إنَّ الله تعالى: لا يؤخِّر نفساً إذا جاء أجلها، وإنّما زيادة العمر بالذرية الصالحة يرزقها العبد فيدعون له من بعده فيلحقه دعاؤهم في قبره فذلك زيادةُ العمر)) (6) (7)

    صفحة 1 من 11 12345678910 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Loading...

    توقيت مكة المكرمة

     

    sitemap