\\\\\\\\\\
أمي لا تحب جلوس الشباب في البيت بلا عمل، تقول اخرجوا لعمل مفيد، أو العبوا في الحارة
تموز الحراق يتمطى على الملل، الوقت رمضان، الزمن في العطلة الصيفية، وأنا في الصف الثاني الإعدادي، يعني الصف الثامن، قد نجحت إلى الصف التاسع، وبحاجة إلى ملابس خاصة للعيد، وإلى مصروف الجيب أيضا، لم أعد في سن مد اليد إلى الأقارب من أجل العيدية ...
كان في جيبي مبلغ بسيط، لا أدري ما أفعل وأنا صائم، فالخيارات كقطرة في بحر الوقت لعدم وجود خيار الأكل والشرب، الشمس تتنزه في كبد السماء، تصلي بثرثراتها فراغاتي، أتمشى في الأسواق فتأخذني الطريق إلى سوق الخضار المركزي، بدأت أتجول وأتفرج، السوق قد انفض والتجار يجمعون أدواتهم وبضائعهم تمهيدا للإغلاق...
رجل كبير يقف خلف شوال ميرمية وينادي: آخر شوال بثمانين قرش، انقدحت برأسي فكرة.... اشتريته بكل ما في جيبي من نقود، وحملته على كتفي ومشيت به...
نزلت إلى وسط البلد، حيث حميم الحركة يولد ضجيجا لذيذا يزعج الأصيل، وبعد العصر في رمضان معناه أن الناس تعود إلى بيوتها بلهفة مشوية على رغبة لحوق موعد الإفطار وهي محملة بما لذ وطاب...
الميرمية في الشوال ليست مغرية وليست مما لذ وطاب في رمضان، ولا في فصل الصيف حتى؛ فهي مشروب شتوي، أنا نويت البيع ولا أعرف كيف تباع أصلا، هل بالكيلو أم بالأوقية أم بالكمشة!! لا أعلم..
أخيرا بدأت أتناول حزمة حزمة وأعمل من كل منها ضمة ميرمية، ضمم ميرمية صغيرة بسعر خمسة قروش للضمة، وبدأت أنادي: بشلن ضمة الميرمية، بشلن بشلن
لم ينتبه أحد لأن صوتي منخفض، رفعت صوتي، ثم رفعته ورفعته، حتى سمعني كل الناس على مسافة مائة متر، انتبهوا، بدأوا يأتون ويشترون،،، وما هي إلا ساعتان حتى لم يبق في الشوال إلا ضمة أو ضمتين، قلت هذا يكفي وقد اقترب موعد الإفطار،،، حملتها مع الشوال الفارغ وعدت إلى البيت..
قالت أمي أين كنت قلقنا عليك؟ قلت ما حدث فلم تصدق، أخرجت المال من جيبي وبدأت أعده أمامها وهي مندهشة، خمسة دنانير وتسعين قرشا... كانت فرحتي عارمة وكذلك أمي، أكثر من ستة أضعاف رأس المال... لكن المبلغ لا يكفي لشراء ملابس العيد والمصروف...
كررت العمل على عدة أيام فتجمع لدي مبلغ جيد يكفي لملابس العيد ومصروفي، وهدية لأمي
توقفت عن البيع في اليوم الرابع .. كان يوم الوقفة وغدا العيد...
أخذت أمي ونزلنا إلى السوق واشتريت الملابس التي أريد وتركت لها باقي المال لتصرف على نفسها وأخوتي والبيت وأخذت جزءا بسيطا
لم يكن المبلغ الذي تركته لها كبيرا فلم يزد عن عشرين دينارا، لكنه ما زال عظيما في نظري لأنه أول مبلغ كبير أكتسبه من تعبي وعرق جبيني
في رمضان، وفي الحر الصيفي
من يومها تعلمت التجارة وأبدعت فيها لكني لم أحبها ولم امارسها فيما بعد، لأنها عبارة عن كلام كثير فيه كذب...