قراءة الشاعر القدير احمد المعطي لنصي (إلى صديقي مع التحية)
لغة خاصة،لا يتقنها إلا من استشرف إحساس الأنثى، وعاش نبضاتها عن قرب، هذه اللغة الأقرب الى المونولوج الداخلي استطاعت الولوج الى عمق - ربما- وأؤكد على مفردة ربما لا تستطيع الأنثى أن تعبر عنه في مجتمعنا الذكوري بهذه السلاسة والوضوح، ولكنه حق مشروع رغم ما يكتنف المشاعر الأنثوية من غموض مقصود لتداري به ما قد يترتب عليه من مشاكل مجتمعية في شرقنا المحافظ.
ففي عمق كل أنثى تجد شعورين متناقضين، ولكن أحدهما واضح تفصح عنه بلا أدنى وجل، وشعورها الآخر تداريه في عمق العقل الباطن لك لا يعيه حتى لسانها، فهو شعور سري لا يعدو ان يكون جزءا من حلمها المدفون...
"في ليلةِ حُلمٍ كُنت أراكَ يا صديقي
كأنكَ لستَ بصديقٍ
بل عاشق لِشَتلة يانعة
سامرْتُكَ مَوجُوعة مُتألمة
وأنا التي كَتمت أنفاسي وهي تعجُّ شوقاً إليك"
إذن هو حلم وشوق مكتوم. منذ البداية، ولا تملك البوح به إلا من خلال حركات وإيماءات لا يترجمها إلا المقصود بها :
"أمسك شالي الأبيض وألوحَ بهِ إليكَ"
إذن هي شيفرة تحتاج إلى فك رموزها، ولكن من يستطيع إلا من ملك زمامها، وتمكن من القراءة الصحيحة!
"حِين انهالت صَباحات الوَرد عليَّ حامِلة بَسمة مِنك
توردت بذرة الاِشتهاء شوقاً إليك
في حُلمي هذا كُنتَ مرآتي
اكتشفتُ فيها أني لازلتَ أُنثى"
هذه اللغة التي ربما لم تتلفظ بها الشفاه، وإنما أرسلتها العيون عبر زاجلها الخفي عبرت عنها بذرة الاشتهاء - وهي بالمناسبة بذرة بشرية لا يخلو منها إنسان سوي ويتساوى فيها الذكر والأنثى - ولكن هل تجرؤ امرأة مهما بلغت شجاعتها أن تبوح بها في مجتمع محافظ ؟ نعم هي باحت وكشفت عن بذرة الاشتهاء التي نمت في عمقها ولكن بوحها كان للمرآة وفي الحلم الذي راودها وأشعرها أنها أنثى في مواجهة رجل تشتهيه ولو عبر تخيل صورته في المرآة أمامها ومن خلال صورتها هي بقوامها الممشوق وإحساسها العالي بأنوثة طاغية.
"حِينها عَمت جَسدي الفوضى وَارتَبكت أحاسيسي
ناديتُكَ أن تَتَكلم
كُل المحاولات التَهَمتها أظافري
وجُرعات الشَوق دَسَستُها خِلسة بفنجانِ قهوتك"
هو إحساس غريب ينتابها وهي تلتهم أظفارها علامة على القلق والارتباك بانتظار كلمة من فتى أحلامها، هل هو حلم يقظة؟ ربما؛ بل هو كذلك.
"في الحلم يا صديقي بُحتَ لي بلهفتك
كانت عَيناك مَنْ تَتَكلم وتَنهِيداتك تُهدهد
على أغصان أنفاسي"
لم يكن حلما غامضاً ولا عارضاً ولكنه حلم فيه أخذ ورد، وفيه مفاوضات.. مفاوضات؟! حلم غريب تفاوض فيه الصمت، والصمت هنا قاس جداً لأنه لا يلبي حاجتها الى معرفة أحاسيس صديقها، ومشاعره تجاهها، فما الحل إذن؟ إنها تحتاج الى ما يطفئ عطشها ويلبي غرور الأنثوي، ولما لم تجد ما تبحث عنه فستلجأ إلى لوم نفسها بحركات عصبية بتمزيق الرسائل والكف عن وهم العشق..
"مزّقت كل القصائد وألغيت آهات عبث عشقي
ولمتَ نفسي فقد جنى عليَّ طَيفي"
إذن هناك قصائد كتبت وعشق عبثي من طرف واحد، ولم يك عشقا متبادلاً،بل كان أقرب إلى حلم من أحلام اليقظة تعيشه كل النساء في فترة من فترات حياتهن.
أخي العزيز أ. قصي ..دعني أصدقك القول أنني مقل جدا في متابعة اقسام وفروع الأدب الأخرى غير الشعر، ولست ناقداً محترفاً، غير أني هنا جئت قارئاً لهذه الخاطرة المميزة التي استطعت انت أن تتحدث بلسان الأثنى وتغوص في أعماقها باقتدار تغبط عليه..تقبل مروروي بهذه القراءة السريعة.. محبتي.
تحياتي الحارة
كل الود والاحترام والتقدير