مقدمة \ بقلم قصي المحمود
قصيدة النثر العربية والعراقية تحديدا لم تلتزم بأبويتها الغربية من خلال سياق النمو الشكلي والبنيوي لمثيلاها من الثقافة الغربية ويصح القول عنها انها نموذج للتمرد على هيمنة النمط الشعري الكلاسيكي، وضعت قصيدة النثر العربية والعراقية تحديدا السرد التعبيري في موضع الصدارة أو بالأحرى نواة الجمالية في التكوين البنيوي للقصيدة النثرية فكانت سمتها الأساسية (الإنثيال والسرد)، هذه المحموعة النثرية للشاعر العراقي الأنيق والمبدع الأستاذ محمد العبيدي نموذج حي لما ذكرناه أعلاه، بنيوية نصوصه في هذا اليوان هيمن عليها (السرد والإنثيال)، في هذا الديوان نجد هنلك تفوقاً إبداعياً وفنياً لافت للنظر، فالفنان يرسم بريشته ليعطينا خصائص الجمال التعبيري الإنساني في اللوحة، شاعرنا محمد العبيدي في هذه الديوان ومن خلال نصوصه يعطينا مكامن الجمال والبعد الإنساني والوجداني بطريقة الرسم بالكلمات من خلال الصور الشعرية الجميلة والخيال الواسع والأسلوب الرشيق الممتع المعبر برمزية والمباشر أحياناً من خلال قدرته على استعمال الكثير من الرموز المستحدثة للتوظيف الدلالي للمعاني والأهداف، جميع القصائد في هذا الديوان تخضع لنمط الشعر الحر الحديث وتجد فيها موسيقى داخلية أخاذة،
اعتمد الشاعر في قصائده على البناء السردي من خلال تقنية الإسترجاع السردي وهي بمثابة رصد فوتغرافي بلغة هامسة شفافة رقيقة، عندما تقرأ قصائد الشاعر (محمد) كأنك في ليلة شتاء قارص وتجلس في غرفة دافئة يضيء جدرانهامصباح أحمر خافت يعطي رومانسية للمكان ينعكس على شباك الغرفة المبلل برذاذ المطر الهاديء كالندا.
أخترت أول قصيدة من هذا الديوان للبرهنة على هيمنة (الإنثيال والسرد) في قصائد الشاعر محمد في هذا الديوان، حاولت أعادة تركيبها دون المساس بجملها وبنيانها ونواتها، غيرت التركيبة من جمل صورية متسلسلة كما في الديوان إلى جمل متعاقبة كالآتي( فنجان من القهوة، مائدة معزولة، مقهى في طرف المدينة، قلم واوراق مبعثرة، حكايات تدور على الطاولة... كل يوم يطلب فنجانين..يحرج النادل أن يسأله، يجلس في عالم ثان، ارواح تسود المكان..يجلسهم على الكرسي الوحيد، يسألهم أسئلة مجنونة..النادل في حيرة..! أهو العشق..؟ أم الجنون!) ما تبقى من النص على ذات السياق، القاريء للديوان سيقرأ قصيدة..ولو نشرت هكذا في بنيانها الجديد نجد القاريء سيقرأ قصة قصيرة جدا! بلغة نثرية، وهذه هي أحدى سمات الأبداع الفني للشاعر، فهي تقرأ بوجهين ولكنها لا تختلف في المضمون، بمعنى البنيان الشكلي يختلف الواحد عن الآخر ولكن البنيوية الحداثوية الشعرية واللبنة النواة للنص لم تتغير، وهذا ليس بجديد عند شاعرنا المبدع محمد العُبيدي فلديه نصوص قصصية تمنيت أن يكملها قرأت بعضها ومنها (يوميات في سيارة الأسعاف).
تجد في هذا الديوان التدفق الإنساني والوجداني يجري على نسق واحد كجريان نهر بذات العذّوبة من منبعه حتّى مصبّه كما في (طاولة الأرواح، دموع، أحبك، الحساب، الحبل السري، أماكن الذكرى، غرور، مدمن...الخ)
القاسم المشترك لجميع النصوص واقعيتها وبعدها الإنساني والوجداني مما يعطينا نوعية التدفق الشعوري من اللاوعي المتراكم تارة وتارة أخرى من الوعي المحسوس للشاعرمحمد العبيدي من رهافة المشاعر ورقتها ورؤياه الإنسانية لما تلتقطه عينه الشعرية الثاقبة،
حينما شرفني أخي الشاعر محمد العبيدي في كتابة المقدمة لديوانه هذا وجدت نفسي في حيرة، فجميع قصائد الشاعر سواء في هذا الديوان أو الذي قبله أو ما نشره على صفحته هي إنعكاس لشخصيته الهادئة والتي تغطي بركان ثائر من المشاعر الإنسانية والوجدانية يفرغها بهدوء في كتاباته، حيرتي كانت في أن أخلط بين الرؤيا الفنية للنصوص لثراء إنسانيتها وخصائص شخصية الشاعر الثرية بالإنسانية والعاطفة الصادقة كما عرفته..وأعتقد أني حاولت..وأرجو أن أكون قد وفقت