رجال المرحلة
1
الحيوان لا يكذب ولا يداهن ولا يجامل يحمل في ذاكرته موطن الطفولة فقط، ولهذا تعود الطيور لأعشاشها التي ولدت فيها والبعض الآخر يعود لموطن الكلأ والماء وتسمى هذه مواسم الهجرة، هذه الصفات نتاج غريزة دون وعي منها، أما الإنسان فهو ينتج الكذب والرياء والحقد والكراهية ويسرف في الذم والمدح في آن واحد رغم أنه منح العقل لا الغريزة التي حصرها في الشهوة فقط، لا أدري لم خطرت بذهني هذه الأفكار وأنا أدير المذياع لعلي أجد ما ينقلني من هذه التداعيات السوداوية من موسيقى هادئة حالمة أو أغنية من أغنيات عبد الحليم ونجاة الصغيرة..حتى فيروز قاطعتها الأذاعات التي كانت تعج بها كل صباح، لم تعد إلا عواجل الأقتتال والبغضاء والكراهية والغاء الآخر، وما زاد الطين بلّه وهيمن على نشرات الأخبار الصاروخ الصيني المتمرد السابح في الفضاء دون كوابح ، ما زلت أقلب المذياع وخيوط الفجر تتسلل من نافذة سيارتي لعلي أجد ضالتي، ربما بدأت أفكر بغريزتي التي تدفعني للعودة للطفولة والهجرة لبقعة نائية فيها فقط ما يسد رمق العيش كالحيوان، ما أكثر الأذاعات اليوم وجميعها على ذات المنوال، فجأة توقفت يدي على أحداها، في البداية كانت مشوشة كأفكاري، وعندما شعرت أن سيارتي اهتزت لمروري بمطب في الشارع لم انتبه له، بدت الأذاعة صافية، موسيقى هادئة، تلتها موسيقى صاخبة تعودت عليها تسبق البيان رقم واحد، كانت الأذاعة مجهولة الهوية!..فجأة قطعت الوصلة الموسيقية الصاخبة، بصوت عال يشبه الصراخ ويخدش الأذن، قرأ المذيع الذي لم يذكر اسمه البيان التالي ولم يسمي جهة اصداره كأذاعته المجهولة الهوية..وصلت معلومات عن اشتباك مسلح بين مجموعتين مجهولة الهوية... عند وصول قواتنا فرّت المجموعتين لجهة مجهولة) ، أعاد لي البيان ارهاصات تفكري التي تريد أن أتشبه بالحيوان، تلمست جيبي أبحث عن هويتي التي أحتفظ بها دائما للتعريف بي عند سؤالي من جاري حينما يكلف بمهمة التفتيش عن الخارجين عن القانون! خوفا من أن يلقي القبض عليّ إن ضاعت رغم أننا من حارة واحدة وأخوة بالرضاعة.... تحت بند...مجهول الهوية!!!
حينما عاتبته..يجيبني...هذه تعليمات...رجال المرحلة!!
يتبع