للقمامة وجهان
عند أطراف العاصمة بجانب الخط السريع، ثمة أطفال بثياب رثة، حفاة الأقدام يبحثون في القمامة عن ما يسد رمقهم بلقمة لم تتيبس بعد، عن علبة فارغة لبيعها بثمن بخس، ملابس مهترئة بالكاد تستر أجسامهم الطرية، وجوه باهتة كان قد رسم الدخان المتطاير من القمامة لوحة البؤس والجوع عليها، يتقاطرون إلى مثل هذه الأماكن منذ خيوط الفجر الأولى وحتى ساعة متأخرة من الليل.
يسكن بعضهم بين وحول تلال القمامة التي تختلف أشكالها وألوانها وروائحها، مع عائلاتهم داخل هياكل تغطيها قطع غيار أجهزة كهربائية وبقايا من غرف نوم غير صالحة للاستخدام البشري (سكراب) ومخلفات خشبية نخرتها السوسة، بجانب مكب القمامة يمتد أنبوب تصدير النفط إلى خارج البلاد،لا يحمل معه شيئا من معاناة الأطفال...
فجأة سمع صراخ سيارة تتوقف حين عبر أحد الأطفال من الجهة المقابلة ليلتقط علبة فارغة رميت من إحدى السيارات المارة، كانت مصفحة ذات دفع رباعي، كاد أن يدهسه لولا لياقة الطفل وتمرسه، خلفها وقفت عشرات السيارات بذات المواصفات، تستقلها عناصر مدججة بالسلاح، من خلف زجاج نافذة سيارته المظللة نظر بتقزز إلى الطفل ومن ثم إلى القمامة ومن عليها، التفت إلى السائق وأمره بالتحرك بعد أن طلب من مرافقه بأن يرمى قطعة نقدية للطفل من الفئة الصغيرة...
علت وجهه ضحكة صفراء كشفت عن أسنانه التي نخرتها سوسة الاستجداء حين كان ضمن قائمة الإعانات عند دولة اللجوء بعد هروبه من بلده وتخلفه عن الخدمة العسكرية، تمتم بصوت عال: لا ينفع معهم؟ لا يشبعون رغم الحصة التموينية التي نوزعها عليهم بسعر شبه مجاني!!
لم يعلق مرافقه ولا سائقه واكتفيا بنظرات متبادلة ذات مغزى...
عند باب المجمع الطبي توقفت سيارته ليسرع مرافقه بفتح الباب الخلفي له، ترجل على عجل وهو يحث الخطى إلى داخل المجمع، متبختراً بطريقة فجّة وفي فمه سيكارة كوبية من النوع الفاخر، دخل دون اسئذان إلى طبيبه الذي أجرى تحليلات عامة له، تطلبت أخذ عينات من دمه لشعوره بخمول وذبول منذ أن عاد دليلا للوحدات الغازية لبلده، لم ينتظر طويلا فبادر بسؤال الطبيب وبلهجة لا تخلو من الاستعلاء عن نتائج التحليلات المختبرية، راح الطبيب يقلب أوراقه بهدوء ثم نظر إليه نظرة لا تخلو من الإشفاق عليه
_ يؤسفني سيدي أن أخبرك أنك مصاب بمرض فقدان المناعة المكتسبة