حسن مدن
هل يمكن أن يأتي الذكر على بغداد، المدينة العريقة، عمراناً وثقافة وحضارة وناساً، دون أن يُذكر طربها وفنانيها العظام، رجالاً ونساء، الذين كانوا من أهم وأبرع صنّاع الفن لا في العراق وحده، وإنما في العالم العربي كله. ليس الطرب وحده ما يحضر حين تذكر بغداد، والعراق عامة.يحضر أيضاً الشعر والفن التشكيلي والنحت والفكر، وبوسعي تعداد أبرز من صنعوا ذلك من المبدعين العراقيين، حتى أنهي مساحة هذه الزاوية، دون أن آتي على ذكرهم كاملاً، وساعتها لن أغفر لنفسي نسيان أي اسم من هذه الأسماء الخالدة، وهل يمكن لنا أن نتحدث عن مسار التحديث الفكري والمجتمعي العربي في القرنين الأخيرين دون الوقوف عند دور العراق ومفكريه ومبدعيه في صنعه هذا المسار الذي وُئد أو على وشك أن يوأد؟.استهللنا الحديث بالطرب العراقي، الذي له دور لا ينسى في صنع ذائقتنا الغنائية والموسيقية، بأصوات مطربيه ومطرباته الشجية، لأن قادمين من الماضي، أفلحوا في منع مهرجان غنائي في بغداد أقيم في مدينة سندباد الترفيهية، حيث اضطر المنظمون للإعلان عن إيقاف جميع الحفلات بعد احتجاجات من محسوبين على أطراف دينية، وكانت ذريعتهم حفلاً للمطرب المصري محمد رمضان، ولا اعتراض على أن يبدي الرأي العام استياءه من حفل بعينه أو أداء مطرب بعينه، إذا ما رأى فيه إخلالاً بالذوق، لكن أن يُجعل ذلك ذريعة لمنع ومصادرة مظاهر البهجة في الحياة، فذاك أمر آخر.قلنا إن المعترضين قادمون من خارج العصر، ولكن علينا الاستدراك، فعن أي ماضٍ نتحدث، نحن الذين نعرف جيداً ماضي العراق الفني الزاهر بفنه وثقافته وعلمه العائد لقرون مضت لا لمجرد عقود، قبل أن تحلّ على هذا البلد العظيم لعنات الدكتاتورية أولاً والظلامية تالياً، وربما لهذا قال مطلقوا «هاشتاج»: بغداد مدنيّة: «يريدون تحويل بغداد إلى قندهار»، في إشارة إلى المدينة الأفغانية الشهيرة التي عدّت في السنوات الأخيرة معقلاً للجماعات الأشد تطرفاً.على وسم «بغداد مدنيّة»، تعبيرات مختلفة عن الاستياء الشديد من إيقاف مهرجان السندباد المذكور، ومن استشراء الدعوات التي لا تريد للعراق أن يستعيد ولو القليل من ألقه الفني والحضاري الذي شعت أنواره على محيطه القريب والبعيد، وتضمن الوسم آلاف التغريدات، التي سلطت الضوء على رفض محاولات بعض الجهات التأثير في طبيعة بغداد المدنية وثقافتها، والتنديد بالتطرف الفكري الذي يفرض أفكاراً وآراء على الآخرين.وكتبت إعلامية عراقية معروفة متمنية أن يطال الاعتراض على الحفلات الفنية والترفيهية «الضغط لإنهاء عقود السرقات والفساد التي يتم خلالها أكل مال اليتيم والأرملة ومرضى السرطان والمسنين والشباب العاطلين».نقلا عن صحيفة المدى