تمُرُّ بِيَ الدُّروبُ فأمتَطيها
................. كما الحُوّ الجياد إلى الثُّريّا
وأرحَلُ "راشِداً" ما تاهَ لُبّي
................تُصاحِبُني الرُّؤى وَتَعيثُ غّيّا
وما بي لوْثةٌ تبدو لأنّي
.................. حَكيمٌ لا أرى غيري سَوِيَّا
أسيرُ وَهامَتي كالنَّخلِ تعلو
..................فما للناسِ من تحتي جِثِيّا ؟
وما للقوْمِ من حوْلي سَبايا
............كما "الروبوتُ" إذْ يمشي سَبيّا ؟
أنا المجنونُ ...بي مَسُّ التَّلَهّي
.....................عَنِ الدُّنيا إذا التَفَتَتْ إلَيّا
أَميلُ عَنِ البَرايا مَيْلَ عزْفٍ
....................وأغلِقُ عنْ سُداهمْ مُقلَتَيّا
يُحاصِرُني الجَهولُ وَيتَّقيني
.....................ويَرْهَبُني وما أوْهى يَديّا
****
فما للقلْبِ بَرَّحَني بليْلى
..................وَكنتُ بها عنِ الدُّنيا قَصِيّا
تُغازِلُني فأضحَكُ بابتِذالٍ
.................و.."تغزِلُني" فتُلهِبُ خافِقيّا
يُطَيِّرُني الهَوى كالطيْرِ صُبْحاً
..................وِيقطِفُني الدُّجى رُطَبا جَنيّا
فما للعيْنِ قدْ كَلِفَتْ بليْلى
.....................وكمْ ليْلى تُعانِقُ أصغَريّا ؟
أراها كالغَزالةِ بعضَ حينٍ
.....................وَأحياناً أضيقُ بها شَقِيّا
فلا هِيَ في خَيالي مَحْضُ وَهْمٍ
....................ولا امرأةٌ يُضَنُّ بِها عَليّا
أدورُ ..أدورُ والدُّنيا دُوارٌ
............... وتَطحَنُني الرَّحى طحْنا خَفيّا
لِأشرَبَ من دَمي كاساتِ خمْرٍي
....................وليْلى في يَدي ترنو مَليّا
بعيْنِ العَطفِ ما بَرحَتْ تَراني
.................وتمْنَحُني شِفاها الشّهْْدَ حيّا
يزغْردُ في فَمي رَغَباً وَيمضي
.......................هُنيْهاتٍ تُمرِّغُ منخُريّا
أسيرُ على شَفا جرْفٍ كأني
................... على وَتَرٍ أسيرُ على يَديّا
جنونُ الحُبِّ يسحَقُني بنَعلٍ
................وَ(جِنّ) الحِبِّ فاوَضَني عَليّا
****
أهيمُ وَوُجْهتي قمَرٌ بَعيدٌ
............... أراهُ -ولا يُرى- طلْقَ المُحَيّا
أعانِقُهُ فيَنْهَرُني طريدا
................ وَحيداً في الخُواءِ أموتُ حيّا
وأًبْحِرُ في سَديمٍ لسْتُ أدري
...................مِن الشَّعرى يَُمرُّ أمِ الثُّرَيّا !!
فلا أرضٌ أسيرُ على ثَراها
..........................ولا بشَرٌ أمُدُ لهُ يَدَيّا
فأمعِنُ في شُرودٍ بل هُروبٍ
...................وفي جلْدي ألوذُ فَتىً حَيِيّا
وأهجُرُهُ إذا انقلَبَتْ قناتي
...................كما الذُّؤبانِ أُنشِبُ مِخْلبيّا
فَمِنْ قلَقٍ على قدَمي طريقٌ
................... تدُبُّ ولا تلامِسُ أخمَصيّا
غريباً أقتَفي أثري كظِلّي
.................. وَأمشي في مَتاهاتي وَفيّا
نهاري عاريا يأتي مَهيضا
................. بلوْنِ الشَّمس يأتي طحلُبيّا
وليْلي ليْسَ مثلَ الليل داجٍٍ
...................... رماداً بثهُ اللاوعْيُ فيّا
أحاربُني إذا ما ضقتُ ذرْعا
.....................بأحْجيةٍ وكنْتُ بها شَقيّا
وأجلِدُني على ذنْبٍ جَناهُ
...................لساني ..ربَّما ما قالَ شيّا
بأُحجيةِ الحَياةِ على رَصيفي
..................شَقِيتُ وكنتُ أحسَبُني وَليّا
بَكيْتُ -وكمْ بَكيْتُ- بلا دُموعٍ
..............وكم ضَحِكَ البُكاءُ وفاضَ غيّا
وكمْ ساءَلْتُ نفسي عن هَواها
.................وَلم أجِدِ الهَوى عنها قَّصيّا
يُشاغلُني التُّرابِ بِمسِّ روحي
.......................فأحضُنُهُ وألثُمُهُ حَفيّا
فهل رَضِيَ الترابُ وصارَ ليْلى
...................وقيْساً صرْتُ عُذريّا أبيّا؟
أنا المجنونُ أبْحثُ عن تُرابي
.............. فكيفَ أعيشُ عن ليْلى سَليّا؟
أنا المجنونُ أبحثُ في جِرابي
.................عَن الدُّنيا لِتهرُبُ مِنْ يَديّا
وتلسَعُني عَقارِبُها بحِقْدٍ
............"بَنادورا*" فوا قدَري .. إلــيّا!
*****
* بنادورا: أسطورة إغريقية تتحدث عن امرأة كان اسمها "بنادورا" لسبب ما استودعتها "الآلهة" صندوقا غريبا وأوصتها ألا تفتحه أبدا، ولكن الفضول دفع المرأة ففتحت الصندوق، فوجدته مملوءاً بكل شرور الدنيا التي خرجت وانتشرت في كل مكان، ولكن شيئا واحداً ظل في الصندوق ولم يخرج، كان هذا الشيء هو الأمل..