بسكنتا لبنان 30 حزيران 1961
عزيزي الأستاذ عبد الكريم
تلقيت بالشكر الجزء الثاني من أطروحتك النثر المهجري. وقد طالعته بلذة، فأكبرت الجهد العظيم الذي بذلته في تقصي مصادر الكتاب، بجزئيه الأول والثاني، وفي تنسيقها وعرضها والتعليق عليها تعليقًا ينم عن فهم وذوق ومقدرة في الشرح والتحليل. وأنت، في الغالب، تصيب الهدف. وحيث تخطئه فاللوم ليس عليك، بل على المعلومات الخاطئة التي لديك. ولا عجب، فالشقة بعيدة بين بيئة أنت فيها والبيئة التي نشأ فيها وترعرع وبلغ أشده أدب "الرابطة القلمية"
لقد كرست لي جانبًا لا يستهان من كتابك. وقد عرفتني دون غيري من رجال "الرابطة"، باستثناء عبد المسيح الذي التقيته في السنة الماضية. وكانت لي معك جلسات طويلة، وأحاديث متشعبة جعلتني أحس المحبة التي تحملها لي في قلبك أعمق الإحساس. وأراك، مع ذلك، أسأت تفسير البعض من اتجاهاتي الفنية والفكرية، ومن أساليبي البيانية، مثلما أسأت تفسير الرموز التي تنطوي عليها "حكاية الكتاب" في مرداد. فمنحدر الصوان وما عانيته في تسلقه إلى القمة هو أكثر بكثير من "تجسيم ضخم جدًّا" للخيالات التي تثيرها طريقي إلى الشخروب. إنه طريق التغلب على الجسد وحاجاته وشهواته، طريق التجرد من الذات الفردية قبل أن يصبح في مستطاع طالب الحقيقة بلوغها، والاندغام في الذات الشاملة التي يمثلها مرداد ويهدي إليها حوارييه. ومرداد غير المسيح. ولولا ذلك لما رفضت نشره دار نشر إنكليزية محترمة، بحجة أنه "يتنافى والعقيدة المسيحية". لئن تلاقى مرداد والمسيح في جوانب، فهما يفترقان في أخرى. وذلك هي الحال دائمًا مع الساعين إلى المطلق والمبشرين بالحياة الكاملة.
لو كنت بجانبي لتناولت بالتفصيل معك ما ليس تتسع له هذه الرسالة من ملاحظات. على أنني أكرر القول إنك، في كتابك، قمت بعمل جدير بالتقدير، بل بالإعجاب. بارك الله فيك، وزادك نشاطًا وإنتاجًا. والعقبى للدكتوراه إن شاء الله.
المخلص
ميخائيل نعيمه