آخر المواضيع

  • مواضيع مميزة
  • <-> عساكم بألف خير <-> الفرق بين الأنا والأنانية <-> مضافة العمادة <-> زومبي <-> الفن القصصي بين النمطية والحداثة البنيوية <-> هي وجسد نصّه <-> قيد <-> قلب .. الفائز بالمركز الأول في المسابقة 2021 <-> استغفال\\ الفائز بالمرتبة الثانية في المسابقة 2021 <-> هلع حقيبة\\ الفائز بالمركز الثالث في المسابقة 2021 <->
  • مواضيع ننصح بمشاهدتها
  • <-> المسابقة التشاركية- بنك المعلومات <-> فن الرواية \ كولن ولسون <-> الكذاب البريء!! <-> قنديل الرغائب <-> كيف تستغني عن مراكز رفع الملفات <-> ما هي القصة القصيرة جدا \ م الصالح <-> مصراع نور \ م الصالح <-> نبارك للفائزين في المسابقات الرمضانية <-> الوطن ..خديعة كبرى <-> الومضة الحكائية والشعرية ..موروث عربي <->
  • مواضيع إلزامية
  • <-> عضو جديد! تفضل من هنا لو سمحت <-> أهلا بكم في منتداكم الجديد <->

    صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
    النتائج 1 إلى 10 من 28

    الموضوع: ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي

    1. #1
      شجرة الدر الصورة الرمزية أحلام المصري
      تاريخ التسجيل
      Dec 2021
       الحالة : أحلام المصري غير متواجد حالياً
       التقييم : 30
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      2,418
      بمعدل يومياً
      معدل تقييم المستوى
      6

      ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي

      رسائل الأدباء


      ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي


      تقديم

      سوف نحاول التعرف في هذه الواحة الفكرية على ادب المراسلات، وادب الرسائل كما لايخفى على أحد هو جنس ادبي قائم بذاته ومتميز بصياغته الخالصة والخاصة مثله مثل ضروب الآداب الاخرى التي تنبش في سحيق الذات الانسانية وتحاول توثيقها والقبض على الاحاسيس البشرية، والمشاعر الحميمية الاعمق رقة في نفس الانسان، وتنقب بين تلافيف الذاكرة بحثا عن ذكرى آبقة، وفكرة شاردة، وتقبض على طيف حنين عابر..

      والمراسلات الادبية تبحث في علاقات الانسان ومحيطه.. مثله مثل أدب البحر وأدب السجون وأدب الحرب وادب الطفل وأدب المناجم، والأدب الإيروسي والأدب الشطاري، والادب السوريالي او ما هو قائم على التحقيب مثل ادب النهضة والادب الجاهلي أو الاندلسي الى غير ذلك من صنوف الاداب وضروب المعرفة التي سنخصص لها ملفات موازية.. وهي فوق هذا كله مادة ادبية تطالعنا فيها حياة الادباء وعلاقاتهم واسرارهم وهواجسهم وسياحة فكرية ومعرفية لاتضاهى في الجمال ..

      الرسائل هي الوسائل.. وادب الترسل فن من فنون التواصل عرف واشتهر منذ القدم، واستخدمت له وسائط كان اهمها "الرقاص" وكان "الحمام الزاجل" وكان السعاة وكان البريد، وسخر له الكتاب والنساخ في الدواوين السلطانية، وهي معروفة منذ القدم وحتى قبل توثيق الكتابة وقبل مقولة "بدأت الكتابة بعبد الحميد وانتهت بابن العميد" ولعل اول نبإ جاء فيه ذكر الرسائل هو الذي ورد في الكتب السماوية عن خطاب سليمان الملك لبلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ، [( قال تعالى: اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)] .. قبل ان ينقطع ادب الرسائل او يكاد في زمن العولمة، وتلتهمه التقنية المتطورة للاتصالات والمواصلات..

      ما يهمنا هنا في هذا المتصفح هي مراسلات الادباء الى ذويهم واصفيائهم وحبيباتهم واهلهم ومعارفهم، وكيف تتحول رقعة ورقية عادية الى قطعة ادبية وفنية غاية في الجمال، وتضيء جوانب خفية من حياتهم.. بحر عميق بدون شطآن نعانق من خلاله هذه الكتابات بما تعج به من افكار واخبار هؤلاء العظماء، ونتعرف من خلالها على طرق تفكيرهم وهواجسهم ونزواتهم وغرامياتهم ونجواهم ومشاكلهم ومعاناتهم وشجونهم السياسة والاقتصادية والاجتماعية، وملامح شخصياتهم الابداعية والعاطفية، ونكتشف من خلالها طرق تفكيرهم وملابسات عيشهم وما يكتنفها من مطبات ومشاكل وطرائف ومواقف، منها ما صدر في كتب منفردة، ومنها ما هو موزع بين المجلات والمواقع لانها في البداية والنهاية تحف ادبية نادرة، وتراث انساني فريد يجب الحفاظ عليه لانه يحتوي على فائدة عميمة، ويؤرخ لهؤلاء العظماء، ولا يكاد يخلو من اسرار ومعلومات تحفظ ماثرهم وتصون ذكراهم للاجيال القادمة..

      اعترف انه قد حز في نفسي في فترة ما اختفاء بعض هذه النصوص من الويب نهائيا، وضياع كل تلك الجهود هدرا وقد استغرق الامر مني زمنا طويلا في النقل من مصادرها الورقية والتنقيب والبحث والتبويب والفهرسة، وتطلب مني جهدا ليس باليسير لاستخراج هذه الرسائل الادبية التي لا تخلو من طرافة وجمال وفرادة وحميمية، ولا تخلو من رقة وبداعة، والتي قد تناهز في مجملها العشرة الاف 10.000 رسالة، لحوالي سبع مائة 700 اديب وشاعر وروائي من كل بقاع المعمور.. وكل املي ان تروقكم هذه الرسائل الجميلة ولا شك، وتجدون في طياتها المتعة الادبية الكاملة، وبين سطورها الفائدة المرجوة ..

      نقوس المهدي

    2. #2
      شجرة الدر الصورة الرمزية أحلام المصري
      تاريخ التسجيل
      Dec 2021
       الحالة : أحلام المصري غير متواجد حالياً
       التقييم : 30
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      2,418
      بمعدل يومياً
      معدل تقييم المستوى
      6
      كنت قد استأذنت القدير أ/ نقوس المهدي
      في نقل موضوعه الجميل ،هذا العمل القيم
      إلى أماكن أخرى في حينها (عام 2014) و لم يمانع و أعطاني الموافقة
      له كل التقدير و الاحترام
      في كل وقت و مكان
      ..

      أحلام

    3. #3
      شجرة الدر الصورة الرمزية أحلام المصري
      تاريخ التسجيل
      Dec 2021
       الحالة : أحلام المصري غير متواجد حالياً
       التقييم : 30
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      2,418
      بمعدل يومياً
      معدل تقييم المستوى
      6
      الرسالة الأولى...
      بين قامتين من قامات الشعر العربي
      أعجبتني و أعجبني ما فيها من بلورة إنسانية لـ شخصيهما...
      محمود درويش.... سميح القاسم
      (شطري البرتقالة الفلسطينية)
      اقرءوا و استمتعوا...
      إنه الأدب الجميل...




      أحلام

    4. #4
      شجرة الدر الصورة الرمزية أحلام المصري
      تاريخ التسجيل
      Dec 2021
       الحالة : أحلام المصري غير متواجد حالياً
       التقييم : 30
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      2,418
      بمعدل يومياً
      معدل تقييم المستوى
      6
      ‎1 - من رسائل محمود درويش وسميح القاسم



      * من سميح القاسم في حيفا الي محمود درويش بباريس

      الان وقد هطلت الحجارة على هذه الصحراء فأصتصلحتها فاثمرت تينا وزيتونا ارى الى هذه الرسائل انها لم تكن مجرد قطرات دمع من عيون بخيلة بالدمع بل مشى حجلان كبيرة تسير بأمان عرض شارع معبدا بالزفت والقطران اراها ضجة العصافير شعرا فى سيمفونية فجائية تبشر بمقدم الربيع فى بلادنا
      هكذا كتب اميل حبيبى عند تقديمة لشطرى البرتقالة الفلسطينية محمود درويش وسميح القاسم فى كتابة الصادر من دار العودة فى بيروت بعنوان الرسائل ونحن نقوم بنشر هذة الرسائل نهديها الى كل من اكتوى بنار القهر والى كل من التحقوا بشق برتقالتهم بالخارج
      واثارو الابتعاد تحت واقع القمع والافقار وتكميم الافواه .

      ***

    5. #5
      شجرة الدر الصورة الرمزية أحلام المصري
      تاريخ التسجيل
      Dec 2021
       الحالة : أحلام المصري غير متواجد حالياً
       التقييم : 30
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      2,418
      بمعدل يومياً
      معدل تقييم المستوى
      6




      *

      * من محمود درويش لسميح القاسم

      عزيزي سميح
      وما قيمة أن يتبادل شاعران الرسائل .
      لقد اتفقنا على هذه الفكرة المغرية منذ عامين في مدينة استوكهولم الباردة . وها أنا ذا أعترف بتقصيري, لأنني محروم من متعة التخطيط لسبعة أيام قادمة, فانا مخطوف دائما إلى لا مكاان آخر. ولكن تسلل الفكرة المشتركة إلى الكثيرين من الأصدقاء تحول إلى إلحاح لا يقاوم . كم تبهجني قراءة الرسائل...! وكم أمقت كتابتها لأني أخشي أن تشي ببوح حميم قد يخلق جوا فضائحياً لا ينقصني, حتى تحولت هذه الخشية إلى مصدر إتهامات لا تحصى ليس أفدحها " التعالي" كما هو رايج .
      الآن أشمر عن عواطفي, وأبداء. لا أعرف من أين أبداء عملية النظر إلى مأساتنا المشتركة. ولكني سأبداء لانضبط ولأورطك في إنضباط صارم. سيكون التردد أو التراجع قاسيا بعد ما أشهدنا القراء علينا , وبعد ما هنأتك بعيد ميلادك الذي يواصل صناعة الفراغ بين العمر والصورة . كل عام وأنت في خير وشعر حتى نهايات النشيد.
      لن نخدع أحدا,وسنقلب التقاليد, فمن عادة الناشرين, أو الكتاب’, أو الورثة أن يجمعوا الرسايل الكتوبة في كتاب. ولكننا هنا نصمم الكتاب و نضع له الرسائل. لعبتنا مكشوفة. سنعلق سيرتنا على السطوح, أو نواري الخجل من كُتاب المذكرات بكتابتها في رسائل.
      إنتبه جيدا, لن تستطيع قول ما لا يقال. فنحن مطالبان بالعبوس, مطالبان بالصدق والإخفاء ومراقبتهما في آن . مطالبان بأن لا نشوه صورة نمطية أعدتها لنا المخيلة العامة , مطالبان بإجراء تعديل ما على طبيعة أدب الرسائل, أبرزه استبعاد وجوه الشهود وجمالية الضعف الإنساني, فكميف نحل هذه المعضلة التي يجمد بقاءها الفارغ الطلي بين الرسالة والمقالة..؟
      سنحاول إفلات النص من ضفافه, إذ لعل أبرز خصائص الكتابة هي فن تحديد الضفاف الذي يسميه النقد بناء. فالنكسر البناء بتعثر لعبتنا الجديدة على ساحتها المفتوحة.
      وأصل الحكاية – كما تذكر – هو رغبتنا الواضحة في أن نترك حولنا, وبعدنا, وفينا أثارا مشتركا وشهادة على تجربة جيل تألب على نور الأمل وعلى نار الحسرة وأن نقدم إعتذارا مدويا عن أنقطاع اصاب ساعة في عمرنا الواحد, و أن نعيد ارتباطنا السابق إلينا و إلى وعي الناس ووجدانهم, لنواصل هذه الثنائية المتناغمة – ثنائيتنا - إلى آخر دقيقة في الزمن , بعدما تمردنا عليها في مطلع التكوين الجنين تمردا كان ضروريا لبلورة خصوصية لا بديل عنها في الشعر, ثم تجاوزت نزعتها الاستقلالية لتتجول إلى تناحر سفيه قد كان أحد مصادره إحساس الواحد منا بشكل مفاجئ, بقطيعة حوار توصل إلى يتم لقد كان كل واحد منا شاهداً على ولادة الآخر , فل نتابع هذه الشهادة.
      ولكن ماقيمة أن يتبادل شاعران الرسائل...؟
      لسنا بشاعرين هنا. ولن نكون شاعرين إلا عندما يقتضي الأمر ذلك . هل هذا ممكن ..؟ لا أعرف إن كنت سترضى بهذا التغييب الملازم لاستحضار انسانيتنا المقهورة " بعدوان" الحب والقصيدة, منذ حول العربي الجديد شاعره الجديد إلى موضوع. فماذا نريد ألأن نقول ..؟ لقد فعل الشعر فينا ما تفعل الموسيقى بموضوعها , تتجاوزه للإفتتان بذاتها وأداتها . ولكن أين مكاننا ..؟ وأين لحمنا ودمنا..؟ أين طفولتنا..؟ لقد تعبت من المهارة. ولكن أعجبتني حاسة المهارة المنتبهة إلى ذاتها في مجموعتك الشعرية الجديدة . ومع ذلك, إن أكثر ما يعنيني هو إنسانيتك. وهنا تحديداً : أبوك . لقد أعاديتني مرثيتك إليه , إلى كرم الزيتون لمعلق على خاصرت السمو الراسخ وإلى قدرتنا على الدهشة وسط تبادل الروائح الصلبة في الطبيعة, وإلى الحدود الناتئة الفاصلة بين الفصول. من لا مكان له لا فصول له. ولكنني مازلت مفتوناً ومجنونا بخرفنا. خريفنا ليس هو الشجر المدافع عن بذائة الزهر , ولكنه الرائحة. فكيف ستنقل إلى هذه الرائحة بالراسئل ..؟
      خذني إلى هناك إذا كان لي متسع في السراب المتحجر, خذني إلى مضايق رائحة أشمها على الشاشة وعلى الورق وعلى الهاتف. فإذا تعذر ذلك فليسمع منك كل الحصى والعشب والنوافذ المفتوحة اعتذاري الجارح.
      من حق الولد أن يلعب خارج ساحة الدار . من حقه أن يقيس المدى بفتحة ناي . من حقه أن يقع في بئر أو فوهة كبيرة في جزع شحرة خروب. من حقه أن يضل الطريفق إلى البحر أو المدرسة . ولكن ليس من حق أحد حتى لو كان عدواً , أن يبقي الولد خارج الدار .
      لم نذهب إلى العمر في هذه الطريقة, بل ذهبنا إلى هذا الطريق. هل تذكر هتافك الساطع " ابداً على هذا الطريق " ...؟ أبداً. . . وإن تعرج أو عرج بنا على منافٍ لم تخطر على بآل آلهة الشر الإغريقية. ولا أفعى جلجامش فعلت ما فعلت بنا بنت الجيران. هل تذكر الشارع الخارج من عكا إلى الشمال العربي , وسكة الحديد الموصولة إلى الجنوب العربي...؟ ولكن , أبداً . . . أبداً على هذا الطريق مهما إشتد مزاح الزمن ومهما توسع حمار الخواجة بلعام .
      لست نادماً على شئ , فمازلت قادرا على الجنون وعلى الكتابة وعلى الحنين. ودون أن اتسائل : هل سبقت الفكرة أداتها ليتكاثر عليها هذا الحصار..؟ اصرخ في وجوه الذين يدفعون الفكرة إلى الضجر : إن روحي هناك . وأقول لك : إن أولائك المحتلين, الواقفين بيني وبينك, لا يستحقون اي مقارنة مع أي شر عربي .. عبيد الخرافات, طفيليات العجز المحيط, سلالة الانتقام, لا حق لهم في التصفيق لحماقة الآخرين التي تواصل إنتاجهم المؤقت. وماذا لوانتصروا في غياب ..؟ هل يضمن فولازهم القوي النجاح الدائم لفكرة ميتة..؟ وهل تسوق الأداة الحق من الزائل..؟ لهذا السبب أحارب الالتباس الخبيث, ولا امد حنيني على جسر فردي. فكن أنت جسري الصلب, وقدم لجدل " الداخل والخارج " عافية التواصل. عضني عن غيابٍ لأفرح : مادمت هناك أنا هناك. وافتح النافذة المطلة على العكس . ما كان يطل على الخارج , فينا , يستدير ليطل على الداخل , هي الدائرة . . . هي الدائرة.
      ويلحون علي ليقتلوني : هل أنت نادمٌ على سفر ..؟ لن يذهب شيئٌ عبثاً , لم يذهب . وقد حاولنا أن نضخ الوعد بما أتينا من لغة وحجارة ودم , ومازلنا نحاول البقاء والسير . لن ينكسر الصوت ما دام شعبي حيا . . . حيا . . . حياً, ومادام للأرض يوم هو هوية العمر. فلماذا يسق فردٌ واحد إلى سؤال : هل أنت نادمٌ على سفر ..؟ سداً أحاول أن ارد السؤال إلى صياغه , فأهمس في آلة تسجيلٌ صغيرة : إذا كان هذا يريحكم فأنا نادمٌ على سفر ..؟
      المكن, المكان, أريد أي مكان في مكان المكان لأعود إلى ذاتي, لأضع الورق علىخشب أصلب, لأكتب رسالة أطول , لأعلق لوحة على جدار لي, لارتب ملابسي, لاعطيك عنواني, لاربي نبتة منزلية, لأزرع حوضا من النعناع , لانتظر المطر الأول. كل شئ , خارج المكان, عابر وسريع الزوال حتى ولو كان جمهورة . ذلك . . . ما يجعلني عاجزا عن الرحيل الحر. . .
      ولكنك ستكتب إلىّ لإعادة تركيب ما تفكك في النفس والزمن , برفع رافعة التوازن لثنائية " الداخل والخارج " الخاصة والعامة , لاستعادة أولى الطبقات الصاعدة إلى أفق يفيض عن الطريق . ستكتب إلىّ . سأكتب إليك . . . لأعود . فما زال في وسع الكلمات أن تحمل صاحبها وأن تعيد حاملها المحمول عليها إلى داره . وما زال في وسع الذاكرة أن تشير إلى تاريخ . ويجتاحني ندا راعف إلى عودة , عودة ما إلى أول الأٍياء وإلى أول الأسماء , فكن أنت عودتي.
      إذن, أخرج من خزانة الثياب لنلعب لعبة أخري مع فتيات أخريات, ولا تتلكأ طويلا في الشوارع الخلفية, فأنت على موعد مع الشاطئ . حيفى حارة في الصيف ورطبة . ولا تنس أن تزور محطة الشرطة وأنت في طريقك إلى البحر ولا أن تسأل الضابطك عن موعد الاعتقال القادم . قدم له سيجارة وأطلب منه سجنا أنظف من سجن الشهر الفائت . ولا تنس المقال في " مفهى روما" كا المعتاد . . . وإن جائت " السيدة " , سلم عليها وقل لها : سافر. . . وسيعود قريبا . ولا تسألها عن الجنين . . .
      قريبا ..؟ ستة عشرة سنة..؟ ست عشرة سنة كافية لتقبل بينلوب ود خاطبها وتلعن بحر إيجة . ست عشرة سنة كافية لأن تتحول الحشرات الصغيرة على جراح أيوب إلى طائرات نفاثة . ست عشرة سنة تكفي لأصرخ : بدي اعود . بدي اعود . كافية لأتلاشى في الأغنية حتى النصر أو الموت .
      ولكن , أين قبري يا صديقي..؟ أين قبري يا أخي ..؟ أين قبري ..؟ . . .

      ***





      * من كتاب الرسائل




      يتبع
      ،،
      ،
      .


    6. #6
      شجرة الدر الصورة الرمزية أحلام المصري
      تاريخ التسجيل
      Dec 2021
       الحالة : أحلام المصري غير متواجد حالياً
       التقييم : 30
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      2,418
      بمعدل يومياً
      معدل تقييم المستوى
      6
      - من رسائل محمود درويش وسميح القاسم

      تابع



      * من سميح القاسم في حيفا الى محمود درويش بباريس

      أخى محمود ،

      اذن ، هكذا نكف قليلا عن عبث الغربة ونخترع لأنفسنا لقاء ما . وها أنت منذ رسالتك الجديدة ( لماذا تسميها رسالة أولى ؟ ) تقترح بذكائك الذى أعرفه قاعة للعبة وكأنك لا تعرف أخاك فى عناده ( برج الثور ) وشهوته الفادحة للعب بال قواعد !

      " نحن مطالبان بألا نشوه صورة نمطية أعدتها لنا المخيلة العامة "

      هكذا تقول فى رسالتك ، هديتك الرائعة لى في يوم ميلادى المروع . لا بأس عليك يا أخى الحبيب فهناك من هم أقدر منا على تشويه " صورتنا النمطية هذه " . أما نحن فما علينا إلا أن نرمم " المخيلة العامة " المخيلة الطيبة المدفعة الهالكة شوقاً إلى موت أليف فى زمن الضجيج والوحشة والنعيب . وماذا بشأن مخيلتنا نحن . مخيلة جيل برمته ، حاصروها منذ طولتها الأولى بكأس أمرىء القيس الذهبية وأبهة بنى أمية ، وسيجوها بمطالع المتنبى المدهشة وصهيل الخيل وصليل السيوف منذ داحس والغبراء مروراً بالقادسية حتى " حرب تشرين المجيدة " ؟ ماذا عن ذاكرتنا المحرومة من غضب الصعاليك ونقاء الغفارى ولوعة ابن زريق البغدادى ؟ لقد جروا إلى قلوبنا انابيب نفطهم ومائهم هم ، وتركونا نتخبط بحثاً عن رأس النبع حيث ماؤنا نحن … فما الذى كان وما هو الكائن وما الذي سيكون بعد إذ صعقوا مخيلة طفولتنا عام 1984 وصعقوا مخيلة فتوتنا عام 1956 وصعقوا مخيلة شبابنا عام 1967 وقايضونا عين جالوت بكامب ديفيد ، والحبل على الاعناق .

      خانوا ذاكرتنا ، بملوكهم ورؤسائهم وحكوماتهم ومؤسساتهم . خانوا ذاكرتنا شعباً وجيلاً وشعراء وأباحوا لأنفسهم انقصافنا مثل قصبة هشة أمام عاصفة الوكالة اليهودية والكومنولث وجامعة انتونى ايدن العربية (؟) .
      لا بأس عليك ، لا بأس على علينا أن نرمم الذاكرة .

      مد إلى يدك النحيلة عبر المتوسط . لا تكترث بحاملا الطائرات والطرادات الصاروخية فهي منهمكة بلحم طفلة عربية من ليبيا آمنت بأن رأس الدوتشي موسليني لا تصلح قمراً للصحراء .

      مد إلى يدك فى غفلة من انبياء الكذب وشهود الزور . وتعال نأخذ نصيبنا من دهشة العيد الول للقصيدة البكر يوم كانت زيارتك الأولى للرامة . كان ذلك بالامس القريب ، منذ ربع قرن فحسب . هل تذكر كيف استولينا على مضافة ابي العليا وحولناها بلا استئذان الى منتدى ثقافى لثلة من الشبان المدججين بدواوين على محمود طه ومحمود حسن اسماعيل وابى القاسم الشابي وكتابات جبران النبوية؟ هل تذكر ذلك الشاب الذي حاصرنا وأمطرنا بوابل من قصائده حتى ضقنا ذرعاً فتهامسنا " اللهم اجعل هذه الليلة خيراً … فهذا الفتى قد تأبط شعراً (!) ما كان النوم متاحاً الا فى الساعة متأخرة من الليل او في اختها المبكرة من النهار … وآنذاك شددت اللحاف الى ما تحت أنفك مودعاً : ( بخاطرك ) !

      " بخاطرك " لماذا أتوقف عند هذه الكلمة ؟ آه صحيح لأنك لم تقلها لى حين أرهقتك ليلة ما في موسكو فشددت مصر الى ما تحت أنفك . لقد أحزني رحيلك اكثر مما أغضبنى . كان فى رحيلك قسط من الانانية بقدر ما كان مماثل من الانانية فى سخطى عليك. والغريب فى الامر ان كتيبة بأكملها من الكتاب والصحفيين والشعراء والقراء رأت في ( حادث الطرق ) هذا منطقاً تاريخياً لتجديد امجاد القيسة واليمنية حتى انهم اقسموا بلا رهة هدب ان قصيدة ( اليك هناك حيث تموت ) موجهة اليك رغم انها نشرت قبل رحيلك بعامين . هكذا كان . بيد أن قصيدتنا المشتركة فى الرامة ودير الاسد وحيفا وحبنا المشترك وسجننا المشترك ونضالنا المشترك وجريدتنا المشتركة وذاكرتنا المشتركة ، هذا العالم الزاخر بالفرح الدامي ، الجياش بغبطة التحدي وكبرياء الالم ، كان رأس النبع الذى اكتشفناه وها نحن نعود اليه .

      قلت ( الرامة ) وقلت ( دير الاسد ). وتحضر على الفور تلك البداية السحيقة اللصيقة ( لعملنا المشترك ) فى أعقاب زيارتك لى في الرامة اهديتنى قصيدة . كان عنوانها ( عروس جبل حيدر ). وكان مطلعها :
      فى حضن حيد ترقد حيث الجمال مغرد
      وبالطبع كان على أن أرد على النار بالمثل . وهكذا اهديتك قصيدة معارضة. كان عنوانها ( بلبل دير الأسد ) . وكان مطلعها :
      قلبى يثور ويزيد وعلى الحنين يعربد
      مهلا . انتظر راجع المطلعين معي . ألا تلاحظ شيئا، بل تلاحظ بالتأكيد من خلال هذين البيتين اننا بداياتنا كنا مكرسين للتماثل والتناقض في آن . التماثل فى الوجدان والتناقض في شكل التعبير عن هذه الوجدان .
      تأمل مفرداتك : حضن ، ترقد ، مغرد .
      وتأمل مفرداتى : يثور يزيد ، يعربد .

      ياه . أتعلم يا محمود ؟ قد يعثر النقاد فى هذين المطلبين على المفتاح الحقيقى لمداخل تجربتنا – تجربتنا. من جهتى ، يبدو لي الآن أن مناخك الشعرى كان صافيا منذ البداية ، وان مناخى الشعرى كان غائماً منذ البداية .

      قد يكون الامر كذلك وقد لا يكون . الا أننى مقدم على البوح لك هنا بسر رافق خطوتنا الاولى قبل ثلاثين عاماً كنت طالباً فى مدرسة الناصرة الثانوية . والى جانب ممارسات سرية شتي كنت أمارس كتابة القصائد البذيئة الصاخبة هجاء لمعلم او
      غزلا فى طالبة . وكان الطلاب يتناولون هاتيك القصائد مع ساندوتشات العطلة الصباحية، متلمظين بعدها بما طاب لهم مدحاً أو قدحاً . فى تلك المرحلة اكتشفت بايرون وشيللي عبر المنهاج الدراسى . وخيل الي آنذاك ان بايرون اقرب الى قلبي من صديقة وزميلة . وذات درس من دروس الادب الانجليزى علمنا المعلم أن والد بايرون كان ضابطاً متقاعداً من الجيش برتبة كابتن . فجأة انفجر طالب يدعى سعيد الصح ضاحكاً . دهشنا لجرأة زميلنا علماً بأن استاذ الانجليزية كان رجلا صارماً عصبيا حاد المزاج ، وتفادياً لعاصفة الغضب سارع اخونا سعيد لتبرير موقفه : ( يا استاذ ، والد سميح القاسم هو الآخر ضابط متقاعد من الجيش برتبة كابتن ) . ضحك الطلاب وغفر المعلم . اما انا فلم اضحك ولم اكتشف ضرورة للغفران بل تعاملت مع هذه المسألة ليس باعتبارها لفت انتباه الى مصادفة طريفة او لسعة من زميل يشكك فى مستقبلى الشعرى ، بل باعتبارها نوعاً من التقمص التاريخى الناجز وفق ارادة إلهية …

      وحين تعارفنا فيما بعد يا عزيزى محمود ، همست لذاتى وفي ذاتي : ( آها … لا بد ان هذا الشاعر هو زميلى وصديقى هو زميلى وصديقى بيرسى بيشن شيللى !! ) والآن ، في هذا الوقت بالذات ، وبعد ظاهرة الثائية التي أشرت اليها فى رسالتك ، سأكون مموهاً اذا انا زعمت الفكاك من ( ثنائية ) شيللى وبايرون .
      يا عزيزى بيرسي بيش درويش .

      من حقك أن ( تلعب خارج ساحة الدار ) ومن حقك ان تعود ، ون حقى ان العب فى ساحة الدار ومن حقي انا الآخر ان اعود . ومن حقنا ان نختار قبورنا . لكن تعال نراقب كلمة ( الحق ) هذه . ماذا عنت فى الماضي ؟ ما هو اليوم ؟ وهل تختزن هذه اللفظة الرشيقة والمهيبة فى آن . مضموناً مجرداً فرداً شاملاً وخالدا؟ لا ارى ذلك والا لكان على ان اعلق نفسى على اقرب شجرة . ولنتأمل معاً الفاظاً ومصطلحات رائجة اخرى : السلام … العدالة الاجتماعية … الأمن … الوحدة الوطنية … حق تقرير المصير وهلمجرا . وعليه قس ! ستجد من يفسر حق تقرير المصير على الحق فى اختيار هذا النظام أو ذاك وتكريسه لا بادتنا السياسية والتاريخية ، حتى الجسدية . وحين تسأل امراءة لماذا تزنى تجيبك على الفور أنا حرة ! وإذا سألأت سمساراً لماذا تخون وطنك فسيرد على الفور : أنا حر ! واكثر من ذلك فستجد من يجابهك بصفاقة مرعبة : هه ، تتحدث عن الحرية وتدعو للحق وها انت تنتقص من حريتى وتصادر على حقي !

      كلمات يا عزيزى . كلمات. كلمات وألف رحمة على هملت وعلى شكسبير وعلى آله وصحبه أجمعين !
      اخيراً لا تسألنى اين قبرك . مادام المهد قضية معلقة فسيظل القبر سؤالاً محرجاً يتيم الاجابة .
      الامر المؤكد الوحيد هو ان حواجز الشرطة المحيطة بمطار اللد لن تقوى على احتجاز قلب الوطن الذي ينتظر عودتك ساعة بساعة ودهراً بدهر …

      اخوك سميح القاسم
      ( حيفا – 22 / 6/1986 )

      ***

    7. #7
      شجرة الدر الصورة الرمزية أحلام المصري
      تاريخ التسجيل
      Dec 2021
       الحالة : أحلام المصري غير متواجد حالياً
       التقييم : 30
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      2,418
      بمعدل يومياً
      معدل تقييم المستوى
      6
      - من رسائل محمود درويش وسميح القاسم

      تابع..

      * من محمود درويش لسميح القاسم ..

      عزيزي سميح...

      ساعات ما بعد الظهر، ضوء سماء زرقاء، ضوء يتلألأ علي أوراق الشجر، ضوء يتسرب الي النفس، ضوء من ضوء، لا من موسيقي موزارت ولا من رواية فوكنر. ضوء ضوء..

      لعل أول الخريف هو أحد هبات الطبيعة الجديرة بالمدائح. تشدُّ الشجرة قامتها لتشكر هذا البهاء كامرأة تشكر الرجل.. شجرة، امرأة، قصيدة يونانية صافية. وفي وسع الحمام، المصاب صوته بالربو والزكام، ان يطير علي هذا الضوء الثابت، وأن يطمئن الي سماء العودة، في وسعه أن يكف عن الهديل.. ضوء.
      وأحسُّ برغبة في التعبير عن فرح طاريء، مجاني، غامض، ما أشد سعادة المرء حين لا يودع أحداً، ولا ينتظر أحداً، كأنه لا يصحح بروفات كتاب. أمن مثل هذه العناصر البسيطة تتكون السعادة؟.. وجرس الهاتف لا يرن، فما أجمل هذا الكسل! أغلق رواية اسم الوردة للايطالي إيكو، واترك نفسي لفراغ لذيذ.
      لا أفكر بشيء يُخرب القلب، واغبطك وانت جالس علي صخرة البداية - الي متي تبقي البداية بداية؟ - سعيداً بشوكة أسوكار وايلد التي تحيل دم العندليب الي وردة، هارباً من سالومي ومن اضطراب مؤلف صورة دوريان جراي وقابضاً علي التعريف المادي الأولي للحرية: هي وعي الضرورة ، ومسلطاً احلام اليقظة علي أساطيل البحر الأبيض المتوسط.. والي متي تبقي البداية بداية؟

      ولكن هل استطاع امرؤ القيس فينا - يا عزيزي - امرؤ القيس الذي لا تحبه أن يوقف المذبحة وأن يسقط الطائرات؟ أو هل استطاع، علي الأقل، أن يمنع سواه، ممن ساروا علي دربه، من اللحاق بقيصر، علي الرغم من أنه أدرك الخيبة منذ البداية ونبه السائرين الي أن صاحبه قد بكي...! لا تظلم امرأ القيس، يا صاحبي، وإن وضعه المستشرقون مع السموأل الركيك لأسباب لا تعنيه!

      رتب العالم علي هواك، أيها الشاعر القادر علي الاحتفاظ بكل بداية، ومنها وهم الشاعر - أعني قوته ومبرره - في تغيير العالم واستبدال فوضاه بنظام الصورة والإيقاع. وأسلم من الثلج القادم من النافذة. نعم، هناك ثلج لا يراه فتي وجهت إليه السؤال.. هناك ثلج.. ثلج نحسُّ به ولا نريد أن نراه..
      وهذا حسن. هذا أفضل من الدفء الرخيص، المبتذل الي حد وصف الثلج بأنه دافيء، ساخن، لاهب. فالثلج ثلج يستمتع بمشهده العباد، عبر الزجاج، وهم جالسون في بيوت دافئة، ألا يشبه هذا اللؤم المنافق لؤم المتفرجين علينا، عبر الزجاج والنظريات، وهم يستمتعون بالدفء، والنصر؟ ونحن.. أو بعضنا يتلقف الآهة الضرورية لتحسين الصورة، ونبني عليها، أو منها، تخطيطاً أولياً لتأسيس جمهورية أفلاطونية!.

      هل أسخر؟ أسخر كثيراً. فالسخرية وهي البكاء المُبطن خير من دموع الاستعطاف، لأن الأجل قد امتد بنا الي ما دون أرذل العمر، الي يوم نهبُ فيه لمواساة القاتل بما حل به من مصاب، هو تأنيب الضمير، حين أتقن لعبة البكاء الالكتروني علي ضحايانا، فكدنا نقول له: اغفر لنا موتنا علي يديك.. اغفر لنا أننا سببنا لك بعض الازعاج!..

      اضحك، يا ولدي، اضحك، فليس في وسعنا ان ننساق في لغة الحزن أكثر مما انسقنا، فلنوقفها بالسخرية، لا لأن السخرية هي اليأس وقد تهذب كما يقولون، بل لأنها لا تثير الشفقة، ولأنها تنزل القاتل من منزلة الفكرة المجردة، السلطة المطلقة، الي إنسانية تتعارض مع إنسانية البشر ومع الطبيعة الإنسانية الي انسانية مضحكة بقدر ما هي مرعبة..

      هل تعرف ماذا يُشغلني في هذه الأيام، انه الدكتاتور، نقيضٌ ملاكك.. الدكتاتور، اني مشغول بالدكتاتور الي درجة عينت معها نفسي كاتباً لخطب الدكتاتور!!. ما أصعب هذه المهمة، وما أشدُّ ما تثيره من متعة حين نعي أنها لعبة أدبية. سأواصل كتابة خطب الدكتاتور، أليس هذا مسلياً؟.

      هل تساءلت يوماً عن خلو الأدب العربي الحديث مع شخصية الدكتاتور؟ ألأن ملامحه لم تتبلور، بعد، في وعينا، أم لأننا نخلو من طفل أندرسوني البراءة يشير الي عُري الملك؟.. لقد فسر الكولومبي غارسيا ماركيز اهتمام الرواية الأمريكية اللاتينية بشخصية الدكتاتور بقوله إن الدكتاتور هو الشخصية الأسطورية الوحيدة التي انتجتها امريكا اللاتينية . أمن الضروري أن يتحول الدكتاتور العربي الي شخصية أسطورية لتنتبه إليه الرواية العربية الحديثة، أم أننا نحتاج الي شروط أخري لتعامل أكثر واقعية وأقل تجريدية مع سؤال السلطة؟.

      الدكتاتور فينا حد التماهي، شخصاً وفكرة. الدكتاتور في نسيج حياتنا، بأسلوب آسيوي كما يقول الاستشراق، سواء كان الدكتاتور معبود الجماهير أم عدو الجماهير ولكنه ما زال مغلفاً بالتجريد، لا أحد يعرفه، لا أحد يراه، مخبأ بأغلفة سميكة من الكوادر والمصالح والأقنعة، لأنه مشغول بتأمين مستقبل مزدهر للأمة تارة، ولأنه مشغول بتفكيك الأمة وإعادتها الي مصادر تكونها الأولي تارة أخري، ولأنه دائماً متأرجح بين المصطلحات الأيديولوجية المرنة وتوزعنا التلقائي والقسري علي خنادق أوهامنا.. الدكتاتور حولنا، بيننا، فينا.

      حين انتهيت من قراءة رواية الغواتيمالي العظيم استورياس السيد الرئيس انتابني شعور غريب وملتبس: شعرت انني انتهيت من كتابتها لا قراءتها. كم تسحرني هذه الرواية المدمرة التي لا تُظهر الدكتاتور في أكثر من صفحتين. ولكنه منتشر في نسيج الخراب النفسي، والتدمير الذاتي، والموت الأخلاقي، الذي أشاعه في من يعملون معه، وفي تغييب الحد الأدني من العلاقات الإنسانية حتي بين أفراد حاشيته، وفي تحويل القلب البشري الي خرقة.
      وبالمناسبة، لم أفهم لماذا استدرج صديقنا ماركيز الي القول إن هذه الرواية رديئة جداً رداً علي قول استورياس ان ماركيز مجرد كاتب أمثال . لعل هذا التراشق بالإنكار والضغينة هو أحد آثار التخريب النفسي التي أشاعتها الدكتاتورية في أمريكا اللاتينية حتي علي مستوي العلاقات بين الأدباء الذين تفشت فيهم الدكتاتورية الأدبية وهم يقاومون الدكتاتورية العسكرية.

      الدكتاتور يتلاعب بمصائرنا، فلم لا نلعب بشخصية الدكتاتور بتحويله الي مضحك، كما كنا نسخر من الحاكم العسكري الاسرائيلي بتحويله الي مجرد خواجه في مطلع حياتنا الأدبية والسياسية. هل تذكر تلك الأيام؟ هل تذكر زاوية من وحي الأيام في جريدة الاتحاد التي تألب علي كتابة قصائدها الساخرة حنا أبوحنا وتوفيق زياد وسالم جبران؟ لماذا توقفتم عن السخرية، واحتكرها شيخ شبابنا أميل حبيبي؟ وأنت.. أنت ألم تكن لاذعاً ورائعاً حين دفعت قرقاش الي تعيين وزير للفرح ووزير للحزن لا تفرح الناس ولا تبكي إلا بأمر منهما، أو لعلهما اللذان يفرحان ويبكيان نيابة عن الشعب!.

      ... والدكتاتور يعيش في حياتنا، ويصوغ أسطورته التدريجية، هل خطر لحاكم أمريكي لاتيني أن يُسلط صورته علي القمر بالأشعة ليؤمن الناس بنبوءته عندما يرون وجهه طالعاً من القمر، كما قد يفعل حاكم عربي؟ أفي وسعنا أن نواجه هذه الظواهر الساخرة بغير السخرية؟.

      حين باشرت كتابة خطاب الدكتاتور الأول خطاب الجلوس كنت أنوي كتابته نثراً، ولكن امتلائي بالسخرية
      جرني الي الايقاع. ورغبتي في الضحك جرتني الي القافية. لماذا تثير القافية الضحك الي هذا الحد؟ ألأنها تسلط الحواس علي النتوء، ولأن الدكتاتور نتوء في الطبيعة؟ لا أعرف تماماً. ولكن الانسجام في غير موضعه يثير السخرية، والانضباط في موقف فوضوي يثير الضحك. أليست القافية هي أعلي تجليات الانضباط؟.. وهكذا رأيت أن من المضحك أكثر أن استخدم قافية واحدة لكل خطاب الضجر وهو الخطاب الثاني من سلسلة خطب الدكتاتور التي لا أعتبرها، ولا أريد لأحد أن يعتبرها قصائد، بل خطباً موزونة!..
      من هو دكتاتوري؟.. إنه مجمل خصائص الحكم العربي الفردي الاستبدادي المجافي للطبيعة، والمتجسد في حكام يتداخلون في بعضهم تداخل الصفات العامة المشتركة في فرد، دون أن أحدد ملامحه الشخصية المميزة، لأن ذلك قد يعرضني الي خطر استثناء آخرين، وقد يعرضني ايضاً الي مخاطر الهجاء.
      وقد تسألني عن مصادر إنسانية الدكتاتور: هل هي تعاطف خفيّ مع ما يعانيه الدكتاتور من اغتراب وعزلة وحرمان إنساني؟ أم هي تضخيم مع سلطة الكتابة؟.

      لعل مصدر الالتباس الذي تبعثه هذه الأسئلة هو أن علي الكاتب أن يتقمص شخصية موضوعه. ومن شروط هذا التقمص ألا يحوَّل الدكتاتور المخلوق من لحم ودم الي آلة، فهذه الآلة تصلح لعمل الكاريكاتور لا للأدب الساخر الذي يشترط مستوي انسانياً ولعل انسانية الدكتاتور هي نتاج تدخلنا وشرطها لإعادة انتاجه أدباً من ناحية، ومن ناحية اجتماعية - فإن الدكتاتور هو من نتاج البشر، ولو كان تشويهاً لطبيعتهم البشرية!.
      أما الجانب الشخصي الذي لاحظته، يا عزيزي، وهو المشترك الضروري بين المؤلف والمؤلف، فإن هنري برجسون يفرسه في دراسته الشهيرة عن الضحك بقوله: مهما يكن الشاعر الهزلي قوي الرغبة في استجلاء مضحكات الطبيعة الإنسانية، فما أحسبه يمضي الي البحث عن مضحكاته هو. ولنفترض انه أراد ذلك، فلن يستطيع الوصول إليها، إذ لا يُضحك في المرء إلا الجانب المحتجب عن وعيه من شخصيته ولذلك فإن الملاحظة في الملهاة تجري علي الآخرين، ومن هنا تتصف بالعمومية. وهذا ما لا يتوفر لها حين تجري علي الذات. لأنها وقد استقرت علي السطح لن تبلغ من الأشخاص إلا غلافهم. وعند الغلاف يتماس الناس، ويكون من الممكن ان يتشابهوا .

      لنضحك قليلاً مع الدكتاتور وعلي الدكتاتور. ومهما كان الاختلاف الايديولوجي بين أنواع الدكتاتورية صحيحاً فإن الدكتاتور - في علاقته بالناس وفي عزلته - هو الدكتاتور. والدكتاتور يثير الرعب والسخرية معاً. وساعات ما بعد الظهر هي وقت السخرية. سأودعك الآن لأكتب إحدي خطب الدكتاتور، فقد أطلقت عليه قافيتي، كما أطلق هو عليّ نباح كلابه.. وكُتابه.

      أخوك محمود درويش
      (باريس - 9/9/1986)

    8. #8
      شجرة الدر الصورة الرمزية أحلام المصري
      تاريخ التسجيل
      Dec 2021
       الحالة : أحلام المصري غير متواجد حالياً
       التقييم : 30
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      2,418
      بمعدل يومياً
      معدل تقييم المستوى
      6
      - رسالة محمود درويش من سجن "معسياهو" تموز 65

      عزيزي أحمد

      لا أدري اذا كان أحد يعرف أني مسجون في سجن "معسياهو" منذ يوم الخميس، فالاتصال مقطوع بالطبع، بيني وبين العالم خارج الأسلاك والجدران، ومنذ خمسة أيام لم أسمع أخبارا ولم أقرأ صحفا، ولا يصلني شيء من أخبار العالم، نمت ليلة واحدة في سجن عكا لعلها من أسوأ ليالي عمري، وقد منعني منظر الطعام الذي قدموه لي من الاقتراب منه، شبعت قرفا! وفي الليل اضطررت الى خلع ملابسي لعلني أغري النوم بمعانقتي ساعة واحدة على الاقل! وفي الساعة الخامسة من صباح اليوم التالي أيقظني البوليس.. لم اغسل وجهي لاني لا أحمل منشفة تنشف الماء والعرق! وضعوا سلسلة حديدية حول زندي.. ونقلوني مقيدا الى " الجلمة".. بقيت هناك أربعة أيام، لم أحلق ذقني و لم أغسل أسناني ، ولم أقرأ الا كتابا واحدا سمح لي بادخاله معي هو كتاب "همس الجنون" لنجيب محفوظ، - بالمناسبة لم يعجبني

      يوم الخميس ظهرا، نقلوني مع عشرات السجناء بزنزانة متجولة الى هنا.. " معسياهو " ولعل هذا السفر حتى الآن على الأقل، أتعس سفر في حياتي .. حيث يربط كل سجينين بسلسلة واحدة.. ويتساوى القاتل والسارق والمجرم والعرص والشاعر؟!

      كنت أتصور على ضوء ما قيل لي عن هذا السجن، أني سأكون في كيبوتس. أوهام! اخذوا ملابسي المدنية، وأعطوني ملابس خاصة بالسجن ليست على قياسي بالطبع، وحذاء كبيرا يرغمني على المشي ببطء وصعوبة. باختصار ان منظري في بدلتي الآن قد يثير الحزن أكثر من السخرية، ولكن أحاول، بدافع الكبرياء، أن أسخر أكثر مما أحزن، لا أدري لماذا تذكرت هيئة تشارلي شابلن في فيلم الأزمنة الحديثة!!

      هنا أستطيع أن أسمع الأخبار من صوت اسرائيل باللغة العبرية بواسطة مكبر الصوت، وأستطيع قراءة بعض الصحف، واقطع الوقت بالقراءة، فقد سمحوا لي بادخال جميع الكتب والأدوات الخاصة. الطعام نظيف وجيد ولكن النوم متعب، وأسوأ ما في الأمر أن الظروف تحول دوني ودون الكتابة. حتى الآن لم أكتب الا هذه الرسالة، وأنا أجلس القرفصاء وصيحات السجناء من حولي. ولكني أفكر كثيرا وعميقا، وأحيانا أغرق في التفكير خاصة حين أودع الشمس الغاربة، بالمناسبة لأول مرة أشهد ميلاد الشمس لأنني أفيق باكرا!

      أشتاق اليكم كثيرا كثيرا.. وكل شيء صغير عندكم يحمل الآن معنى كبيرا كبيرا، لاأستطيع الا أن أقول لكم اني أحبكم أكبر حب، وان كل هذا الاعتراف لا لزوم له! وشوقي للبيت يفوق كل حد، وأتصور أن عودتي اليكم بعد 54 يوما سيكون عيدي الأول تموت أمامه جميع " أعيادي" التي أراها الآن في غاية التفاهة. طمئنوا سهام أن ديونها ستسدد حال عودتي مع الفائـدة! وأرجو من أحدكم أن يسافر الى حيفا ويتصل بتوفيق فياض وسائر الأصدقاء والزملاء ويعتذر لهم عن عدم كتابتي لهم، لأنه لا يسمح لي بكتابة أكثر من رسالة كل أسبوعين. أخبروا الجميع أن أجمل هدية تصلني هي الرسائل، فأرجو ان يكتبوا لي

      لدي الكثير مما أقول، فلنرجئه الى مناسبة أخرى، وتحيات قلبية الى جميع الأهل والاقارب والجيران والأصدقاء، لا أستطيع أن اعدد أسماء الجميع، لأن الأمر يحتاج الى كتاب كبير جدا.

      ملاحظة الزيارة مرة في الأسبوعين

      والى اللقاء

      محمود

      تموز65

      ---------------------
      * المصدر: جريدة أخبار الأدب المصرية

    9. #9
      شجرة الدر الصورة الرمزية أحلام المصري
      تاريخ التسجيل
      Dec 2021
       الحالة : أحلام المصري غير متواجد حالياً
       التقييم : 30
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      2,418
      بمعدل يومياً
      معدل تقييم المستوى
      6
      رسالة غير منشورة من نزار قباني إلى سميح القاسم

      الحبيب الغالي سميح،

      هزتني رسالتُك الرائعة.. القادمة من هناك، حيث تُعلمُنا الأيدي الصغيرة مبادئ القراءة والكتابة بعدما تحوّلنا جميعاً إلى أمّيين..

      واخجلة الشعر يا سميح، من هؤلاء الأنبياء الذين كسروا بحجارتهم زُجاج أبجدياتنا.. واغتصبونا حرفاً حرفاً.. وكلمة كلمة.. وحوّلوا دواويننا إلى أحذية عتيقة... وشعراءّنا إلى بغايا...

      صدّقني يا سميح، إنني أشعر بالخجل أمام هؤلاء المبدعين الذين أقالونا جميعاً، كتَّاباً، وشعراء، ومفكرين، ومنظرين، ومنافقين، ومنجّرين، واستلموا السلطة.

      نحن ملوك مخلوعون.. والملوك الحقيقيون هم هذه السلالة الفلسطينية الطالعة من رحم الحجر..

      نحن ملوك "الكُوتشينة".. الذين يمضغون القات.. ويمضغون لحم النساء بالجملة.. ولحم الشعوب بالجملة.. ويغتالون القصائد بالجملة..

      نحن ملوك بني عثمان الذين دخلوا الحروب بالطرابيش الحمراء.. والسراويل المقصّبة. وسماورات الشاي.. حتى غرقوا جميعاً في مياه الدردنيل..

      نحن "الأنتينات" المرفوعة.. لا السيوف المرفوعة.. من المحيط إلى الخليج...

      نتوضأ بالأكاذيب.. ونمتطي خيولنا الإعلامية والديماغوجية والإيدولوجية.. على جميع الموجات الطويلة.. والقصيرة.. والح.ئ

      أنا لم أكتب في الحقيقة شيئاً..

      فقصيدتي "أطفال الحجارة" ليست سوى محاولة صغيرة لملامسة قامات هؤلاء الأنبياء..

      فليعذروني، إذا لم أكن على مستوى بنوّتهم...

      أخوك
      نزار قباني

      جنيف 16/1/1988

    10. #10
      شجرة الدر الصورة الرمزية أحلام المصري
      تاريخ التسجيل
      Dec 2021
       الحالة : أحلام المصري غير متواجد حالياً
       التقييم : 30
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      2,418
      بمعدل يومياً
      معدل تقييم المستوى
      6
      - رسالة طلعت سقيرق الى سميح القاسم

      صديقي الشاعر الكبير سميح القاسم

      بين المسافة والمسافة تتوهج وردة القصيدة .. تذكرتك وأنا أطالع اليوم آخر كتاب أهديته لي .. كنت أتتساءل بيني وبين نفسي كم من الوقت مضى على اللقاء الخير بيننا .. تصور يا صديقي كم هي مسرعة عجلة الأيام في دورانها .. كان هناك حديث طويل ، أذكر أن الدكتور عزمي بشارة قد تركنا لأن موعد محاضرته كان قد اقترب.. طويلا حدثتني عن حيفا ، طويلا حدثتك عن هذه المدينة التي أنتمي إليها ولا أعرف عنها أي شيء لأنني في منطق العصر الهوج ولدت خارج الوطن .. قلت لك وقتها إن الشعر يحضر عن حيفا مثل حلم ..أذكر أنني لم أحضر أمسيتك لأن الناس كانوا ينتشرون في الشوارع بعد أن غصت القاعة بهم .. آثرت أن أنتظرك في الفندق .. سألتك عن النجومية ، قلت : النجومية وهم ، ليس هناك نجم .. أتدري يا صديقي ، عندما ودعتك قبل رحيلك ، بقيت رائحة كفك في كفي ، وشجر العناق الخير مزروعا على طول قامتي .. سرت في شوارع دمشق وأنا أتساءل : متى سأراك مرة أخرى؟؟.. كنت أخبرتني أننا سنلتقي قريبا .. ضحكت : أي قريب هذا ؟؟.. كتب علينا يا صديقي أن نلتقي في لحظة وداع ، وأن نبني كلماتنا على مقعد ننتظر فيه طائرة ستقلع .. صعب يا صديقي أن نحمل الوطن على هذا الشكل .. صعب .. قبل أيام اتصل بي الشاعر عبد الناصر صالح من طولكرم قال : يا طلعت أنا مشتاق إليك شوق العالم كله ، ورأيتني أبكي يا سميح .. أبكي تمزقنا في هذا العمر الشائك .. كل واحد منا في مكان .. الشاعر محمود درويش كان سيأتي ، ولم يأت لأن الاحتلال بالمرصاد .. انتظرت .. وذهب الانتظار .. وها أنا أشتاق إليك يا سميح ، اشتاق لدفء كلماتك ، لشبابك الذي لا يعرف إلا عنفوان الشباب .. فمتى أراك أيها الحبيب الرائع .. متى ؟؟..

      طلعت سقيرق

      27/5/2003

    صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Loading...

    توقيت مكة المكرمة

    sitemap