أنظر اليه فى شفقة، أضم يده بين راحتى فأشعر ببرودة الموت تتسلل الى جسده الساكن فأوهم نفسي بأنه يتحرك.
عيناه الغائرتان تنظران الى المجهول فألمح فيهما ظلال الموت بينما تصر شقيقتى الصغرى على أنه يوجه نظره اليها.
الأحفاد يتواثبون ويتصايحون غير مدركين للحقيقة فيصرخ فيهم أخى أن يكفوا عن الصياح.
أتحسس نبضه بأصابعى فأشعر بأنه ينسحب من محيطه شيئاً فشيئا وأن فراعاً بدأ يتسع من حوله وأطيافاً تحيط به فأستعطفه وأستنطقه بنظرانى وأتوسل اليه ألا يتركنى.
.....
اكتمل عقد الأهل والأقارب، بكينا فى صمت وكل يطوى داخل صدره مكنوناً لايعرفه إلا عالم السِر.
كثيرون آلمهم موته وعز عليهم فراقه، والبعض حاول اخفاء بسمة فرح على شفتيه فضحتها عيناه فقد حان الوقت لتوزيع التركة بعد طول انتظار، والبعض ينتقد بكاء الأبناء فى صمت دون لطم الوجوه وشق الجيوب، والبعض أظهر مشاعراً يقتضيها الموقف، والبعض يلعن بينه وبين نفسه ويتمنى من قلبه أن يلحق به إبنه الأكبر الذى هو أنا.
.....
رفعوه برفق وأنزلوه بهدوء الى لحده وأغلقوا عليه ببعض الألواح الخشبية ومانحوها ثم أهالوا التراب حتى انتهوا من تسوية اللحد بالأرض، جثوت على ركبتى وقمت بتثبيت شاهد صغير عند موضع الرأس ووضعت حوله بعض الحجارة والدموع تنمهر بغزارة من عينى.
وقفت فى السرادق أتلقى العزاء، تمتد الىّ أيادى المعزين فأطالع وجوههم وأقرأ دون ارادتى ماتعبر عنه ملامحهم وتشى به عيونهم.
حرصت على أن أبدو متماسكاً حتى انتهى العزاء، ألقيت بجسدى فوق أحد المقاعد، حانت منى التفاتة ناحية السماء فرأيت ملامح أبى بادية فى الأفق وهو يلوح بيده فى صمت.