صديقي مع سبق الإصرار
1
لم أعد أطيق هذا السجن الذي أنا فيه وما فيه من ألم ووجع يقض مضجعي، كلما حاولت الخروج يناديني
- شوقي صديق الطفولة لا تخرج، أحتاجك معي
خسرت وظيفتي لأنني بقيت أسير صداقته رغما عني، حينما أحاول الخروج ينادي والدته ووالده ليمنعاني من الخروج وأرى في عيونهم التوسل والصبر عليه، الطبيب الذي عرضناه عليه قال لنا يجب أن تتماشوا بأي قول يقوله وإياكم مخالفته فهو في حالة انفصام في الشخصية ويعيش حالة عودة للطفولة وهذه الحالة هي جزء من مرض الزهايماير، شعور غريب الذي هو أنا فيه ويجب عليَّ أن أتعايش معه بحذر شديد، كثيرا ما حدثني عن طفولتنا وعن مرابعها وشوقه الجارف لزيارة منزلهم وزقاقنا القديم وكنت أصغي له بمتعة بقدر متعته في الحديث عنها وأحيانا أشاطره الذكريات مستعينا بما يحدثني به من أحداث وكلما أحاول الخروج ينادي والدته لمنعي
- لا تدعيه يخرج يا أمي
كانت أمه تنظر أليَّ بعينٍ دامعة وهي تهمس لي
- لا تخرج يا ولدي
- وظيفتي وقد خسرتها، يجب أن نفعل شيئا فنحن سجناء وضعه المرضي، الأوقات الوحيدة التي أجد نفسي فيها حراً منه حينما ينام بعد اعطاءه حبة منوم
في أحد المرات غافلته وخرجت لعلي أجد مخرجا يعيدني لوظيفتي، مدير الشركة وبعد أن شرحت له حالتي تعاطف معي وكان تعاطفه مؤثرا
- ولدي إنك مهندس مثابر ونزيه، قم بواجبك ومكانك محفوظ في الشركة
2
استيقظت على وقع جلبة في البيت، جلت بنظري في الغرفة التي أشاركه المنام فيها فلم أجد صديقي، خرجت مسرعا ووجدت والده يضرب كف بكف
- لقد خرج في غفلة منا يا ولدي
أتصلت بصديقي الرائد علي في مقر قيادة العمليات المشتركة وعمم أوصافه على جميع السيطرات العسكرية، مضت الساعات ثقيلة علينا جميعا، كان يحدونا الأمل في أن يجد أحدهم الورقة التي دسسناها في ملابسه وهو اسمه وعنوانه، حلَّ المساء ونحن نبحث عن إبرة في كومة قش، لم ننم ليلتها، في فجر الصباح الباكر فجأة خطرت لي فكرة، غادرت على عجل دون أخبار أحد فالجميع نيام بعد أن أعياهم السهر والتعب، كنت أقود سيارتي بذهن شارد وما أن وصلت لبيته القديم الذي ولد فيه حتى شاهدت جمهرة من الناس أمامه، ترجلت من سيارتي على عجل، كنت أسمع شباب الحي وأحدهم يسأل الآخر عن هوية الرجل، دسست نفسي من بين الجموع بقوة، كان مسجى على عتبة الدار القديمة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
في مجلس العزاء تقدم مني شخصا كبير في السن يتكأ على عكازة وهو يعانقني بقوة ويجهش بالبكاء وسط دهشة أخي
- البقاء لله، أنا شوقي صديق طفولة والدكم رحمه الله، أرجو أن تنقل التعازي للوالدة.