الوجه الآخر
الوجه الآخر
1
وأنا ألملم مقتنياته وحاجياته وجدت دفتر مذكرات له يكتب يومياته مع المبالغ النقدية التي يدفعها ويستملها في عمله وما استوقفني ما كتبه:
تغير والدي جذريا بعد وفاة والدتي بشهر لا أكثر، خاصم البياض في شعره ولونه باللون الأسود، بدأت أستيقظ صباحا على صوت فيروز على هاتفه الجوال، قرر إجراء عملية تجميل لجفونه بحجة تهدلها مما يمنعه من الرؤيا، كنا وحدنا في البيت فقد تزوج جميع أخوتي وأخواتي رغم أني أكبر أخواتي وأخوتي ولكني كنت أرفض الزواج ، وحشة تلف الدار بعد وفاتها بعد إجراء العملية الجراحة لها، صدمة كبيرة عشتها وما زاد الطين بله تصرف والدي الصبياني، أتصل أخي الأوسط بي بعد عودتنا من زيارة قبرها بمناسبة الأربعينية بثلاثة أيام وهو على الخط يجهش بالبكاء
- علي والدي سيخطب وسيتزوج
عقرت لساني الدهشة غادرتها على عجل
- على رسلك يا رجل، من أخبرك بذلك؟
- سافر يوم أمس ومعه أختي هيام وزوجها لأحد معارفهم الذي توفى والدهم وتم التداول بذلك، لقد أخبرتني هيام بذلك.
عدت من عملي مسرعا وهرعت للبيت وأنا في ثورة عارمة أهذي مع نفسي، ضربت الباب الخارجي بقدمي بعنف ثم الباب الداخلي، في نوبة غضب هستيرية حطمت كل المرئيات من مرايا وشاشة تلفزيون وكأني بذلك ودون شعور مني بتحطيم الوجه الجديد له بعد وفاة والدتي، كان مستلقيا على فراشه في غرفته ولم يخرج منها رغم ما فعلت ويبدو أنه تفهم موقفي وبنفس الوقت لتفادي الصدام معي والذي لا يريده كلانا فأنا أعرفه ورغم الهدوء الذي يتمتع به لكنه قاسي في قرارته ومواقفه ولهذا تجنب المواجهة، خرجت بعدها وحالتي يرثى لها.
أتصل بي أحد عمومتي وهو شخصية نحترمها جميعا وأنبني على فعلت وهو يقول لي
- من المعيب أن تفعل ما فعلت فمهما يكن هو والدك
عدت لهدوئي المعتاد وأجبته
- عمي الفاضل والدتي واريناها الثرى ورثيناها في مجلس عزاء قبل أكثر من الشهر وما فعلته اليوم هو رثاء لأبي وهو حي
2
ذهبنا معا للمستشفى وهي في كامل صحتها سوى ألم قليل في المثانة وطمئننا الطبيب المختص بانه سيجري العملية بالناظور وبدون جراحة لتفتيت حصوة صغيرة فيها، تمت العملية بنجاح وكان من المقرر اخراجها بنفس اليوم إلا أن الطبيب طلب منا المبيت في المستشفى لصباح الغد وذلك لإجراء فحصوات نهائية لها، في منتصف الليل ذاتها بدأت صحتها تتدهور حيث ارتفع السكر في دمها ونسبة الأوكسجين بدأت تقل شيئا فشيئا مما استدعى نقلها إلى غرفة الإنعاش المركزية، في فجر اليوم التالي توفيت.
من هنا بدأت معاناتي وبعد انتهاء فترة العزاء وذهب الجميع لبيوتهم وجدت نفسي وحيدا بين جدران اربعة، أولادي الثلاثة، الكبير فيهم علي يعمل مع شركة نقلية لا يأتي للبيت إلا يوم واحد مساء كل اسبوع ويرفض الزواج رغم شراء بيت له وتأثيثه بالكامل ولكني كنت أقدر وضعه لأنه سبق أن وقف معي بعد الاحتلال عندما طردونا من الوظائف دون راتب تقاعدي في بداية الأمر إلا بعد سنوات، ومن خلال عمله اختلط بقاع المجتمع وكون صداقات فيها، بعد عبورنا للضائقة المالية بدأنا بعملنا المستقل مع شركات النقليات لكنه مع الأسف أكتسب ما أكتسب من قاع المجتمع.
مضت الأشهر الأربعة ثقيلة بعد وفاة زوجتي، فقد كانت تتناوب على البيت بناتي الثلاثة ما بين يوم ويوم لعمل الطعام وغسل الملابس وتنظيف البيت ثم شيئا فشيئا تباعدت المدة لانشغالهن ببيوتهن حتى تلاشت في الفترة الأخيرة، تجاوز عمري الستين عاما والوحدة تقتلني وتفاصيل احتياجاتي اليومية من طعام وغسل صحون وملابس وتنظيف البيت إضافة لمعاشرتي لجدران صماء دون نفس يشاركني الحياة، لم يكن في ذهني الزواج، اقترحت أبنتي الصغرى علي ذلك ووجدت لي امرأة ومن عائلة محترمة، جن جنون ولدي علي وكنت أعلم أنه سيكون هو المعارض الوحيد لأنه جشع ولا يفكر إلا بنفسه وقال لي بالحرف الواحد حين عرف بنيتي للزواج
- تأتي بمن تشاركنا في الإرث سواء لك أو لأمنا، هذا لن يكون
- هذا يعني تنتظر موتي لترث، أخزاك الله، اشترينا لكم بيت واثثناه وخيرناك بين الزواج هنا أو فيه ورفضت، اذهب واسكن فيه ولا تريني وجهك القبيح هذا بعد الآن
تعوذت من الشيطان وطردته من البيت، لكنه فعل ما فعل كما كتب في مذكراته
مساء أحد الأيام رن هاتفي الجوال وكان هاتفه على الخط، ترددت في فتح الهاتف ولكن حدسي لم يكن هو المتكلم وصدق حدسي بل شخص آخر
- السلام عليكم
- عليكم السلام، نعم افضل
_ أنت والد علي
- نعم تفضل
- ولدك في المستشفى وقد توفى على أثر حادث مؤسف
مات قبل أن يرثني