وجهات نظر
الأولى
تعرفت عليه في اجواء الجامعة الصاخبة، شاب ذو شخصية قوية، مثالي في العلاقات ومتدين وسطي معتدل، مرح وصريح عصري النظرة للمرأة، تعلقت به بشكل لا يصدق، بادلني بذات الشعور وكنّا صادقين في حبنا، كنت أعلم وجهة نظر والدتي ووالدي في زواجي، فهما لا يرغبان أن أتزوج من خارج الأسرة الجامعية، والدي أستاذ ودكتور في النقد ووالدتي دكتورة في التاريخ وعندما تخرجت من الجامعة ولكوني من الأوائل على دفعتي قبلت في دراسة الماجستير وخالد حاله حال الألاف من الشباب ممن حصلوا على البكلوريوس وتوقفوا عندها.
أعترف أن عائلتي لا تجيد التواصل وفن العلاقات المجتمعية واستعلائية النظرة بنفس الوقت، عائلة انعزالية تعيش في وسطها الأكاديمي وأغلقت على نفسها كل النوافذ المطلة على المجتمع مما يصعب التعامل معها وهي أيضا تجد صعوبة في التعامل المجتمعي، وأنا طالبة ماجستير فاتحتني أمي برغبة أحد الأساتذة بالزواج مني وهي لها سطوة مطلقة في العائلة، كان عليَّ أن أصارحها بحقيقة أمري وحبي إلى خالد الذي عمل بعد تخرجه في أحدى الشركات الأهلية، ثارت والدتي وصبت جام غضبها عليَّ وراحت تصرخ بأعلى صوتها
- سنزوجك من يليق بكِ ومن وسطك الجامعي
بكيت بحرقة، تمالكت نفسي وأنّا أجيبها
- خالد من الوسط الجامعي ومن عائلة محترمة ومثقفة ومرموقة مجتمعيا وذو خلق وهو شاب مجتهد ويعتبر من هذا الوسط إضافة لمميزاته الأخلاقية ولن أتزوج غيره، يكفي إنه كان وفيا ومخلصا لي طيلة هذه السنوات ولم يكن من الشباب العابثين بمشاعر الفتيات كباقي أكثرية الشباب اليوم، على أثر صياحنا وبكائي دخل والدي الغرفة، نظر لوالدتي نظرة حادة وتجرأ أن يقف بوجهها وهو يقول لها
- الا تعلمين بضعف قلبها وما تعاني من مرضها الولادي، ليس بهذا الشكل التفاهم معها
وأخيرا خضع والداي للأمر الواقع ووافقا على تزويجي من خالد على مضض لكن بشرط أن يجهز لي بيت مستقل وقريب من بيتنا.
خمس سنوات مرت دون أن يتقدم خالد لخطبتي رسميا وكنت على علاقة وثيقة بأخواته ووالدته، كان عذرهم وهم محقين فيه أن شرط والديك يتطلب تهيئة مبالغ نقدية كبيرة لتأثيث بيت بالكامل ما عدا مستلزمات الزواج الأخرى.
تزوجنا وقدم خالد لي بكل ما يليق لي بي، استأجرنا بيت قريب من أهلي وهو في الحقيقة ملك لهم، وهنا بدأت تدخلات أهلي الفجة وكنت أعلم أنه يرفض ذلك فرغم عقليته المتفتحة لكن حساس بحكم عقليته الشرقية والموروث الذي لديه كان يؤرقه لأنه يسكن في شقة ملكا لأهلي رغم دفعه للإيجار وزاد الطين بله تدخل أهلي في كل شاردة وواردة، صرت بين نارين، وأعترف حتى شخصيتي أنا لم تخرج عن نطاق ما تربيت عليه من ندية الزوج ومحاولة السيطرة عليه وهو ما كان يرفضه، والدتي كانت ندا لوالدي ولربما انسحبت عليَّ مما أزم الموقف بيني وبين زوجي، والمؤسف أنني كنت أنقل لأهلي وقائع حياتنا بالتفصيل الممل عن حسن نية وهو الخطأ المميت الذي وقعت فيه، في يوم عصيب تجادلت معه وخرج عائدا لأهله وخيرني بين أهلي وبينه وأنه لن يسكن هذا البيت، والدتي المتجبرة ووالدي المجبور وبتشجيع من أختي الطامعة وأخوتي اللذين يحملون عقلية أمي استغلوا الفرصة وذلك حين جاء والديه لتنقية الأجواء فطلبوا منهم الطلاق ولن يعطوني لولدهم وبنظرهم لا أستحقه. خرج والديه غاضبين وقال والده وهو يوجه كلامه لأبي وأخي
- جئت لأتخلص من أثم الطلاق فهو أبغض الحلال عند الله، تحملوا وزره
كنت في غرفتي أسترق السمع، ما أن خرج والديه انهارت قواي وسقطت مغشيًا عليَّ
الثانية
كنت قد عاهدت نفسي حينما أغلقت الأبواب والنوافذ على عائلتي وقطعت كل أواصر العلاقات الاجتماعية من أجل التفرغ لهدفين لا غيرهما وأولهما اكاديمي والثاني مادي لأجل سعادة عائلتي، زوجي دكتور وأستاذ جامعي تعرفت عليه في الوسط الأكاديمي واستطعت تدجينه وفق مبادئي التي ذكرتها وأنا دكتورة وأستاذة جامعية وها هما أولادي ينالون الشهادات الأكاديمية العليا واحدا تلو الآخر، إلا بناتي فقد عانيت منهما بع أن وقعن في مطب الحب الأعمى وفتحنَّ نافذة مجتمعية علينا لا أرغب بها، أبنتي الكبرى استطعت تدجين زوجها وأغريتهم بالسكن عندنا لكن أبنتي الصغرى فتحت نافذة علينا تشاءمت منها، تعلقت بفتى جامعي ذو عقلية بدوية ومنفتح اجتماعيا وبنفس الوقت أكاديمي مما يصعب تدجينه، قبلت زواجهما على مضض وحاولت وضع العراقيل أمام زواجهما لكني لم أفلح، الشيء الوحيد الذي نجحت فيه هو قبول عائلته وقبوله بشرط بيت مستقل وقريب منا لعلي استطيع تدجينه كما دجنت زوج أبنتي الكبرى، تظاهرت بالاستسلام للأمر الواقع ولكني عملت جاهدة لتفعيل السموم التي زرعتها في أبنتي وهي دون دراية تنقاد لي، وحتى لا أطيل عليكم حدث ما يثلج صدري فقد تخاصم صهري مع أبنتي وترك لها البيت وعاد لأهله، بعد فترة شهرين جاء والده ووالدته وكانت فرصة لي لأنهي هذا الزواج الذي يقلقني، وقد استطعت أن أزرع الغيض عند زوجي المتذبذب في المواقف، لم ندع لوالده ووالدته الحديث، كان والده هادئا مما أثار أعصابي وفجأة سمعته يقول لنا
- بعد حديثكم هذا وبعد حديث شقيقها البذيء ماذا تريدون؟
بصوت واحد وواحد تلو الآخر
- ولدكم لا يليق بنا
لم يعلق الرجل لكنه قال موجها كلامه لنا
- ليكن وزر الطلاق بذمتكم
وخرج مع زوجته دون أن يلتفت للخلف
وحال سماع أبنتي التي كانت تتنصت لحديثنا أغمى عليها، حاولت بشتى السبل ثنيها ودفعها للطلاق لكني فشلت، ومرة ثانية تضعنا في موقف محرج مع زوجها وأهله رغم أن زوجها مضى أكثر من شهرين لم يسأل عنها ولا أهله عاودوا الاتصال بنا فكانت ضربة لنا فيها مذّلة، ورغم عودتهم لذات الدار ولكن بشروط زوجها ومن خلفه أهله هذه المرة مما زاد الطين بله
الثالثة
أحببتها بصدق ولم أكن أعرف المراوغة والعلاقات المرحلية، نشأت في عائلة اكاديمية ومنفتحة ومثقفة ومعروفة مجتمعيا، ومن هذا المنطلق كنت أحرص على عدم خدش سمعة عائلتي من خلال احترام العوائل الأخرى في ظل انفلات اخلاقي مخيف، بررت بوعدي لها بعد خمس سنوات حيث تمسك كل منا بالآخر، عملت صباحا في شركة أهلية وفي المساء مندوبا لشركة أدوية لكونها ملائمة لتخصصي الجامعي وكل ذلك من أجل أن أوفر قسطا من التبعات المادية للزواج، في عمل تكافلي من والدي ووالدتي وأخوتي وأخواتي أكملت مستلزمات الزواج بشق الأنفس، كنت في عناد مع الجو السائد من العلاقات السطحية والتلاعب بعواطف النساء وخاصة في مثل مرحلتنا لكوني وليد بيئة وعائلة مبدئية صادقة وبذلك أجهدت نفسي في سبيل الوصول للهدف الأسمى لي وهو الوفاء بعهدي وتمهيد لحياة تليق بالفتاة التي أحببتها ، ما أن تزوجنا وبعد مرور وقت قصير بدأ الخلاف يدب بيننا، نحن مجتمع شرقي شئنا أم أبينا وقبلت على مضض السكن بقربهم ودفع إيجار الشقة التي هي ملكهم رغم تقديم والدتها الأغراء لي برفضها قبول الإيجار لكنها رضخت في نهاية الأمر واستلمته مني كأي مسستأجر غريب، بدأت أشعر أن زوجتي تغيرت، كانت تشكو لي من أهلها وجدتها تشكوني لأهلها مما أتاحت الفرصة لهم بالتدخل، حاولت بشتى الطرق افهامها و لكنها كانت تتظاهر بتفهمي لما أقوله لكنها تغير موقفها مع أول لقاء بوالدتها، تأثير والدتها ووالدها بدى واضحا مما جعلني اقاطع أهلها، القشة التي قصمت ظهر البعير حينما أتصل شقيقها بها ومن المؤسف أن سماعة هاتفها مفتوحة مما يجعلني أسمع ما يقوله وخاطبها بلغة سوقية مقززة ويغمز من طرفها لي، ثارت ثائرتي فلم أتعود هذه المفردات البذيئة حتى لو كانت في المزاح لكنها دافعت عن شقيقها بشكل صدمني وكنت أعلم إنهم مرغمين على زواجها لي
- هو يقصدني وبشكل بذيء وهذه لغة الشوارع لا أسمح بها
أجابتني بندية
- لسنا أولاد شوارع
لم أشأ أن اصفعها رغم غضبي الشديد لتحريفها قولي ولعلمي إنها مريضة قلب ولاّدي ولأني لم أشاهد طوال عمري والدي يؤنب والدتي بعنف، وصلت لقناعة أن هذه العائلة جميعها بما تمتلكه من شهادات أكاديمية لكنها تفتقر إلى أبجدية الأخلاق ولغتهم الداخلية سوقية مقززة ويفتقرون لفن العلاقات المجتمعية، لملمت حاجياتي الشخصية وخرجت عائدا لأهلي وتركت لها الجمل بما حمل دون كلمة مني
الرابعة
كنت في زيارة عمل لأحدى المحافظات حينما أتصل بي ولدي خالد يخبرني أن والد زوجته وشقيقها تجاوزوا عليه وبشكل بذيء ويطلب مني الموافقة على الاتصال بأعمامه وأخوته لتأديبهم، كنت أعلم حجم الكارثة التي ستحصل فيما لو أتصل بهم ولهذا نهرته
- هو بمثابة عمك وهو رجل كبير في السن وإياك أن تتصل بأحد لحين عودتي
كنت أعلم أن لولدي علاقة بفتاة وقد تعلق بها، خالد شخصية عاطفية لديه العاطفة مفرطة وحساس بدرجة كبيرة وبنفس الوقت ورث المبدئية منّا في مواقفه، لكني لم أشأ أن أخبره بعلمي من خلال حدسي ومن خلال استراقي لسمع ما يدور حولي، حتى جاء اليوم الذي فاتحني به الجميع بعلاقته ورغبته بالزواج من هذه الفتاة، على عاتقي أن أسأل عنها وعن عائلتها ولأنني ضمن منطقتهم لي علاقات اجتماعية واسعة فكانت المهمة سهلة، سرني أحد الأصدقاء وهو من قبيلتي بأن هذه العائلة منغلقة ومتعجرفة ومتكبرة ولا تليق بكم، حقيقة وجدت نفسي في حيرة بين عاطفة ولدي وبين ما سمعته عن هذه العائلة ومن أكثر من مصدر مقرب لهم، عاطفة الأبوة غلبت العقل حينما وضعت في الميزان موافقتي من عدمها، ضغطت على نفسي ماديا وبتكافل عائلي تم تزويج خالد لهذه الفتاة، للأمانة أحببت هذه الفتاة في بداية زواج ولدي لها، مرحة وجميلة وفاتنة وواضح عليها الدلال المفرط فعاملتها بما يليق بها، بمرور الأيام بدأت أشعر بازدواجيتها الشخصية وبنفس الوقت تأثير ذلك على ولدي، وضعت ذلك جميعه في باب حسن النية وبداية حياة ولأني وعائلتي بمن فيهم والدته لا نتدخل بحياة بناتنا وأولادنا إلا في الأوقات الحرجة.
بعد عودتي وجدت ولدي في حالة صعبة فهو بقدر ما يحب زوجته لكنه يعيش صراع مع مبدئيته واخلاقه، قررت الذهاب لهذه العائلة لأقف على النتيجة ولأن أبغض الحلال عند الله الطلاق وحتى لا نكون داعمين ومؤثرين لمثل هذا القرار الذي وجدت ولدي قد اختاره لمبدئيته وعنادا لعائلتها رغم تعلقه بزوجته.
اخترت الجمعة للذهاب لهم مع زوجتي فهي مباركة أولا والثانية الجميع في عطلتهم، في البداية استقبلتنا والدتها بأدب جم للأمانة ولكن ما أن أستقرينا في غرفة الضيوف وبدون تقديم الماء أو الشاي أو ما يليق بالضيافة استلمتنا والدتها بما يليق، أصابتني الدهشة مما أسمع، لغة مقززة وحركات لا تليق بمن مثلها تحمل شهادة الدكتوراه، عجيب ما أراه، شكرتنا على تربيتنا لولدنا وهي تقصد اهانتنا، في داخلي كانت الإجابة لكني كتمتها حفاظا على شعرة معاوية، لو كان ولدي غير مؤدب لضحك على بنتها وتلاعب بعواطفها وأخذ منها ما يريد دون قيد شرعي، لو كان ولدي غير مؤدب وليس أبن أصول لتلاعب بأبنتهم وتركها على قارعة الطريق، غبية مثل هذه العوائل حينما تفقد أهل المبدئية بتصرف أهوج وأناني بحت، دخل زوجها وولدها وأخرجوها وأنا أشير لزوجتي بالسكوت وهي المتعجبة لسكوتي، وبدا ولدها وشقيقها بنسخة ثانية من والدتها، كتمت غيظي ووضعت شعرة معاوية في الحسبان وختمت حديثي معهم
- ماذا تريدون
بإجابة واحدة والدها وشقيقها قالوا
- ولدكم لا يليق بنا
نهضت على عجل وأشرت لزوجتي بذلك وقلت لهم
- لن أعلق فقد تعلمت الأدب في حالة الفراق، الأثم عليكم وتتحملون وزر الطلاق وعليكم بالمحاكم
وخرجت على عجل دون أن التفت خلفي
الخاتمة
بعد شهر وتوسط قريب لهم والذي كان على أتصال بخالد وقبول والدها ووالدتها بكل شروط زوجها وأهله وهي أن يعود خالد مؤقتا لهذه الدار وعدم زيارتهم ريثما يجد دار أخرى بمنطقة قريبة ولحين استقرارها الوظيفي، عاد خالد لزوجته بشروطه وبقيت عائلتها بالوجه الأسود الكالح، أما أهله فقد قطعوا كل صلاتهم وواجباتهم الاجتماعية مع هذه العائلة
 |
آخر المواضيع
|
|
|
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية حررها مقداد مسك
