6
وهو يهم بالخروج باكرا لفتت نظره والدته أن لا ينسى أن أبن خاله عباس وعائلته سيكونون معهم على الغداء هذا اليوم ثم أردفت قائلة :
_ ربما هي فرصة لنتكلم معه بتفاصيل زواجك من فاطمة... ولدي لا تدخل مع أبن خالك حسام والذي قد يأتي مع عائلته معهم في سجال سياسي مما يعكر صفوالجلسة وهم ضيوفنا وأنا أعرف مدى تقاطع قناعاتكما
وهو يحتضنها ويقبل جبينها باسما
__ أمي العزيزة والله لا أضمر لهما ألا المحبة ولكن أبن خالي حسام وقريبنا عبد الاله ومن على شاكلتهما وجهان لعملة واحدة، يخلطان ما بين الوطن والحكومة ويفرضون قناعاتهم الدينية والطائفية المتزمتة والمتطرفة التي لا تحترم الرأي الآخر، يبحثون عن وهم المختلف ولا يتكلمون بالمشترك الحقيقي والمتجذر عندنا، هذه بالنتيجة تؤدي لإنقسام مجتمعي وديننا دين سماح وسلام ومحبة يحترم الرأي الآخر، نحن مجتمع متعدد العقائد والطوائف والقوميات واليوم نحن أحوج ما نكون للهوية الوطنية الجامعة، كلنا تقريباً نتمنى التغيير ولكن ليس بأي صورة كانت، الأدهى والمحزن المبكي أن يدعون للتغيير حتى بالغزو والأحتلال من دولة اجنبية لها أجنداتها ومصالحها التي تتقاطع مع الوطنية وشرف الإنتماء، المفارقة العجيبة يختلفون فيما بينهم في التدّين ولكنهم يتفقون على الوطن!!هما وجهان لعملة واحدة، الوطن باقِ والحكومات زائلة اليوم أو غدا
لم ترد عليه فهي لا تحب السياسة والسياسين وهمها الوحيد الحفاظ عليه وعلى أخوه وبناتها وتجهل هذه اللغة ولا تحب الحديث فيها، بحكم تربيتها المنفتحة رغم إنها من مدينة الناصرية الجنوبية وسمتها الأساسية ريفية قبلية ولكنها ثرية ثقافيا وتكثر فيها الحركات السياسية، والدها والذي كان موظفا في المحافظة علمهم احترام الرأي الآخر لكون مدينتهم حالها حال مدن العراق يسكنها من كل أطياف المجتمع العراقي وتتميز بثقافتها المنفتحة. يعلم أن والدته وطنية بالفطرة لكنها لا تريده أن يصطدم مع أبن خاله ولا قريبهم عبد الأله.
ما أن عاد من مزاد السمك صباح ذلك اليوم وقد كانت كمية تسوقه قليلة رغم أن الجمعة دائما ما تكون سوقا رائجة للسمك ، أوصى بشواء ثلاثة اسماك عند الحاج أبا رحمه انتقاها من عنده وأوصى صديقه رحيم صاحب المطعم بشواء كيلو كباب لحم وكيلو غنم مع المقبلات، لم تكتفي الحاجة زكية والدته بما أوصى به، منذ مساء أمس أنشغلت بعمل الدولمة والبامية بلحم الغنم والرز البرياني، وهو يشاهدها تقف على الطباخ منذ المساء قال لها مازحا
_ ما تعمليه يكفي لقبيلة أمي...
_ لا عليك...فأنا أستمتع بما أقدمه لعائلة أولاد أخي وأحضر مقاجأة لك ولهم..وهم يحبون الطعام المعمول بيدي ويذكرهم بطبخ والدتنا ولا تنسى أن أخواتك وبنات خالك المتزوجات سيكونن حاضرات أن شاء الله
ضحك وقال لها
_ هذا من وراء ظهري، يبدو أنك تحضرين لحفلة وليس لعزومة
7
لم يبق عنده إلا أسماك على عدد أصابع اليد فقد باع أكثر الكمية مبكرا، بقي شقيقه في المحل والذي دائما ما يساعده في أيام الجمعة لأكمال بيع ما تبقى وأوصاه بعد أن ينتهي يجلب السمك المسكوف والكباب للبيت لأنه سيعود للبيت لمساعدة والدته، في طريق عودته أشترى علبة شوكلاته لأطفال أخواته لأنهم سيكونون أول المستقبلين له، كانت أخواته قد وصلن باكرا كما خمن وما أن فتح الباب الخارجي حتى أسرع الأطفال جميعا وهم يصرخون
_ خالو سلام ..خالو سلام..
كانت زينب وبكر أولاد أخته الكبرى في المقدمة تلتهم فاطمة وخديجة بنات أخته الوسطى فهن أصغر الأطفال، أخذههم في الأحضان وهو جاثم على ركبتيه وفتح العلبة وهو يقدم لهم الشكولاته، بعد أن حضر أبن خاله عباس ووالد خطيبته وزوجته وأحدى بناته وولده آخر العنقود مرتضى، بعدها حضر أبن خاله حسام بمفرده مبررا عدم حضور العائلة لإنشغالهم بوالد زوجته المريض وهو عذر يعفيه من المكوث طويلا
8
الظروف المحيطة في العراق وبوادر الإنقسام حاضرة في ذهن أم سلام، بحكمتها جعلت من مائدة الغداء عبارة عن إنعكاس للتنوع العراقي، فمن (المسموطة) إلى (الدليمية) إلى المقلوبة والدولمة(الملفوف) والسمك المسكوف والكبة الموصلية ورز عنبر المشخاب جعلتها كلها حاضرة على المائدة وكانت رسالة مشفرة منعت التطرق لأي حديث يمس الهوية العراقية الجامعة مما زاد من حميمية اللقاء والعزومة، وصلت الشفرة لحسام مما جعله يستأذن للخروج بذات العذر بعد مجاملة منه في مشاركته الغداء، ورغم ذلك شعرت الحاجة أم سلام أنها قد أدت ما عليها للحفاظ على التماسك الأسري الذي هو نواة للتماسك المجتمعي العام


( نهاية الفصل الأول)