الفلسفة هي كلمة مشتقة من اللفظ اليوناني فيلوسوفيا، دخلت اللغة العربية في عصر الترجمة، ومعناها محبة الحكمة أو طلب المعرفة أو البحث عن الحقيقة.
وعلى الرغم من هذا المعنى الأصلي، فإنه يبقى من الصعب جدا تحديد مدلول الفلسفة بدقة. لكنها - بشكل عام - تشير إلى نشاط إنساني قديم جدا يتعلق بممارسة نظرية أو عملية عرفت بشكل أو آخر في مختلف المجتمعات والثقافات البشرية منذ أقدم العصور. وحتى السؤال عن ماهية الفلسفة "ما الفلسفة"؟ يعد سؤالاً فلسفيّاً قابلاً لنقاش طويل، وهذا يشكِّل أحد المظاهر الأساسية للفلسفة في ميلها للتساؤل والتدقيق في كل شيء والبحث عن ماهيته ومختلف مظاهره وأهم قوانينه. لكل هذا؛ فإن المادة الأساسية للفلسفة مادة واسعة ومتشعبة ترتبط بكل أصناف العلوم وربما بكل جوانب الحياة، ومع ذلك تبقى الفلسفة متفردة عن بقية العلوم والتخصصات. توصف الفلسفة أحيانا بأنها "التفكير في التفكير"، أي التفكير في طبيعة التفكير والتأمل والتدبر، كما تعرف الفلسفة بأنها محاولة الإجابة عن الأسئلة الأساسية التي يطرحها الوجود والكون. وكان فيثاغورس (572 – 497 ق.م) أول حكيم وصف نفسه من القدماء بأنه فيلسوف، وعرَّف الفلاسفة بأنهم الباحثون عن الحقيقة بتأمل الأشياء، فجعل حب الحكمة هو البحث عن الحقيقة، وجعل الحكمة هي المعرفة القائمة على التأمل. شهدت الفلسفة تطورات عديدة مهمة، فمن الإغريق الذين أسّسوا قواعد الفلسفة الأساسية كعلم يحاول بناء نظرة شموليّة للكون ضمن إطار النظرة الواقعية، إلى الفلاسفة المسلمين الذين تفاعلوا مع الإرث اليوناني دامجين إياه مع التجربة ومحولين الفلسفة الواقعية إلى فلسفة ٱسمية، إلى فلسفة العلم والتجربة في عصر النهضة ثم الفلسفات الوجودية والإنسانية ومذاهب الحداثة ومابعد الحداثة والعدمية.
الفلسفة الحديثة
حسب التقليد التحليلي في أمريكا الشمالية والمملكة المتحدة، تنحو الفلسفة إلى أن تكون تقنية بحتة تركز على المنطق والتحليل المفهومي. وبالتالي فإن مواضيع اهتماماتها تشمل نظرية المعرفة، الأخلاق، طبيعة اللغة، وطبيعة العقل. هناك ثقافات واتجاهات أخرى ترى أن الفلسفة دراسة الفن والعلوم، فتكون نظرية عامة ودليل حياة شامل. وبهذا الفهم، تصبح الفلسفة مهتمة بتحديد طريقة الحياة المثالية وليست محاولة لفهم الحياة. في حين يعتبر المنحى التحليلي الفلسفة شيئاً عملياً تجب ممارسته، كما تعتبرها اتجاهات أخرى أساس المعرفة الذي يجب إتقانه وفهمه جيداً.
معنى الفلسفة
الفلسفة لفظة يونانية مركبة من جزأين "فيلو"، بمعنى "حبّ"، و"سوفيا"، بمعنى "حكمة"، أي أنها تعني - في الأصل اليوناني - "حب الحكمة "وليس امتلاكها". ويعد الفيلسوف اليونانى فيثاغورس أول من استخدم لفظ فلسفة وحدد معناه. وتستخدم كلمة الفلسفة في العصر الحديث للإشارة إلى السعي وراء المعرفة بخصوص مسائل جوهرية في حياة الإنسان ومنها الموت والحياة والواقع والمعاني والحقيقة. وتستخدم الكلمة ذاتها أيضاً للإشارة إلى ما أنتجه كبار الفلاسفة من أعمال.
إن الحديث عن الفلسفة لا يرتبط حصرا بالحضارة اليونانية، لأن الفلسفة جزء من حضارة كل أمة، لذا فإن سؤال "ما الفلسفة؟" لا يقبل إجابة واحدة. لقد كانت الفلسفة في بادئ عهدها أيام طاليس تبحث عن أصل الوجود، والصانع، والمادة التي أوجد منها، أو بالأحرى العناصر الأساسية التي تكوّن منها. وطال هذا النقاش فترة طويلة حتى أيام زينون والسفسطائيين الذين شاع عنهم أنهم استخدموا الفلسفة في التضليل والتغليط من أجل تغليب وجهات نظرهم. لكن الفترة التي بدأت من أيام سقراط، الذي وصفة شيشرون بأنه "أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض"، من حيث أنه حوّل التفكير الفلسفي من التفكير في الكون وموجده وعناصر تكوينه إلى البحث في ذات الإنسان، أدت إلى تغيير كثير من معالمها، بتحويل نقاشاتها إلى طبيعة الإنسان وجوهره، والإيمان بالخالق، والبحث عنه، واستخدام الدليل العقلي في إثباته. واستخدم سقراط الفلسفة في إشاعة الفضيلة بين الناس والصدق والمحبة، وجاء سقراط وأفلاطون معتمدين الأداتين: العقل والمنطق، كأساسين من أسس التفكير السليم الذي يسير وفق قواعد تحدد صحته أو بطلانه.
سؤال: "ما الفلسفة؟" سؤال أجاب عنه أرسطو بالقول إنه يرتبط بماهية الإنسان التي تجعله يرغب بطبيعته في المعرفة. وعلى هذا فحديثنا لم يعد ضرورياً. إنه منته قبل أن يبدأ، وسيكون الرد الفوري على ذلك قائماً على أساس أن عبارة أرسطو عن ماهية الفلسفة لم تكن بالإجابة الوحيدة عن السؤال. وفي أحسن الأحوال إن هي إلا إجابة واحدة بين عدة إجابات. ويستطيع الشخص - بمعونة التعريف الأرسطي للفلسفة - أن يفسر تفكير كلاً من أرسطو وأفلاطون والفلسفة اللاحقة لأرسطو، ومع ذلك سيلاحظ الشخص بسهولة أن الفلسفة والطريقة التي بها أدركت ماهيتها قد تغيرتا في الألفي سنة اللاحقة لأرسطو تغيرات عديدة. وفي الوقت نفسه، ينبغي ألا يتجاهل المرء أن الفلسفة منذ أرسطو حتى نيتشه ظلت - على أساس تلك التغيرات وغيرها - هي نفسها، لأن التحولات هي على وجه الدقة احتفاظ بالتماثل داخل "ما هو نفسه" (...) صحيح أن تلك الطريقة نتحصّل بمقتضاها على معارف متنوعة وعميقة، بل نافعة عن كيفية ظهور الفلسفة في مجرى التاريخ، لكننا على هذا الطريق لن نستطيع الوصول إلى إجابة حقيقية أي شرعية عن سؤال: "ما الفلسفة؟" أما اليوم، وبالنظر إلى ما هو متوفر من المعارف وعلى ما هو متراكم من أسئلة وقضايا مطروحة في العديد من المجالات إلى التقدم الذي حققه الفكر البشري في مختلف المجالات، فلم يعد دور الفيلسوف فقط "حب الحكمة" أو طلبها والبحث عنها بنفس الأدوات العقلية وفي نفس المناخ من الجهل الهائل بالمحيط الكوني كما كان عليه الحال سابقاً، إن الفيلسوف الآن بات مقيداً بالكثير من المناهج والقوانين المنطقية وبالمعلومات المكتسبة من النظريات العلمية وتطبيقاتها التكنولوجية التي لا تترك مجالاً للشك في مشروعيتها. في ظروف كهذه، وأمام تلك المعطيات لم يعد تعريف الفلسفة متوافقاً مع الدور الذي يمكن أن يقوم به الفيلسوف المعاصر والذي يختلف كثيراً عن دور سلفه من العصور السابقة.
مواضيع فلسفية
ومن ثم أصبحت الفلسفة أكثر تعقيداً وتشابكاً في مواضيعها وتحديداً بعد ظهور الديانة المسيحية بقرنين أو يزيد. يتأمل الفلاسفةُ في مفاهيم كالوجود أَو الكينونة، أو المباديء الأخلاقية أَو طيبة، المعرفة، الحقيقة، والجمال. من الناحية التاريخية ارتكزت أكثر الفلسفات إمّا على معتقدات دينية، أَو علمية. أضف إلى ذلك أن الفلاسفة قد يسألون أسئلةَ حرجةَ حول طبيعةِ هذه المفاهيمِ.
تبدأُ عدة أعمال رئيسية في الفلسفة بسؤال عن معنى الفلسفة. وكثيراً ما تصنف أسئلة الفلاسفة وفق التصنيف الآتي :
ما الحقيقة؟ كيف أَو لِماذا نميّز بيان ما بانه صحيح أَو خاطئ، وكَيفَ نفكّر؟ ما الحكمة؟
هل المعرفة ممكنة؟ كَيفَ نعرف ما نعرف؟
هل هناك اختلاف بين ما هو عمل صحيح وما هو عمل خاطئ أخلاقياً (بين القيم، أو بين التنظيمات)؟ إذا كان الأمر كذلك؛ فما ذلك الاختلاف؟ أَيّ الأعمال صحيحة، وأَيّها خاطئ؟ هَلْ هناك مُطلق في قِيَمِ، أَو قريب؟ عُموماً أَو شروط معيّنة، كيف يَجِب أَنْ نعيش؟ ما هو الصواب والخطأ تعريفاً؟
ما هي الحقيقة؟ وما هي الأشياء التي يُمْكِنُ أَنْ تُوْصَفَ بأنها حقيقية؟ ما طبيعة تلك الأشياءِ؟ هَلْ بَعْض الأشياءِ تَجِدُّ بشكل مستقل عن فهمنا؟ ما طبيعة الفضاء والوقت؟ ما طبيعة الفكرِ والمعتقدات؟
ما هو الجَمال؟ كيف يختلف المعيار الجمالي بمرور الوقت؟ ما الفن؟ هل الجمال حقيقية موجودة ؟
في الفلسفة الإغريقية القديمة، هذه الأنواع الخمسة من الأسئلة تدعى على الترتيب المذكور بالأسئلة التحليلية أَو المنطقيّة،أسئلة إبستمولوجية، أخلاقية، غيبية، وجمالية.
مع ذلك لا تشكل هذه الأسئلة المواضيعَ الوحيدةَ للتحقيقِ الفلسفيِ.
يمكن اعتبار أرسطو الأول في استعمال هذا التصنيفِ كان يعتبر أيضاً السياسة، والفيزياء، علم الأرض، علم أحياء، وعلم فلك كفروع لعملية البحث الفلسفيِ.
طوّرَ اليونانيون، من خلال تأثيرِ سقراط وطريقته، ثقافة فلسفية تحليلة، تقسّم الموضوع إلى مكوّناتِه لفَهْمها بشكل أفضلِ.
في المقابل نجد بعض الثقافات الأخرى لم تلجأ لمثل هذا التفكر في هذه المواضيع، أَو تُؤكّدُ على نفس هذه المواضيعِ. ففي حين نجد أن الفلسفة الهندوسية لَها بعض تشابهات مع الفلسفة الغربية، لا نجد هناك كلمةَ مقابلة ل فلسفة في اللغة اليابانية، أو الكورية أَو عند الصينيين حتى القرن التاسع عشر، على الرغم من التقاليدِ الفلسفيةِ المُؤَسَّسةِ لمدة طويلة في حضارات الصين.فقد كان الفلاسفة الصينيون، بشكل خاص، يستعملون أصنافَ مختلفةَ من التعاريف والتصانيف.و هذه التعاريف لم تكن مستندة على الميزّاتِ المشتركة، لكن كَات مجازية عادة وتشير إلى عِدّة مواضيع في نفس الوقت. لم تكن الحدود بين الأصناف متميّزة في الفلسفة الغربية، على أية حال، ومنذ القرن التاسع عشرِ على الأقل، قامت الأعمال الفلسفيةَ الغربيةَ بمعالجة وتحليل ارتباط الأسئلةِ مع بعضها بدلاً مِنْ معالجة مواضيعِ مُتخصصة وكينونات محددة. الحقيقة....ما هي؟ وأين نجدها؟
الحقيقة ككلمة عامة هي اتحاد الأجزاء في كلٍّ متكامل، وقد أجهد الفلاسفة أنفسهم في إيجاد المعنى الذي نطوى هذه الكلمة عليه فمنذ الفلاسفة اليونان مرورا بالفلاسفة العرب والصينيين إلى هذه الفلسفات الحديثة التي حاولت جاهدة إيجاد الحقيقة في كل اشكال الوجود نجد أن بعضها فشل في البحث عنها في حين أن البعض خرج بمنطق مغاير للسائد، فمثلا الفيلسوف اليونانى أفلاطون ظل يبحث طوال حياته عن الحقيقة وفى النهاية خرج بمنطق يقول إن الله خلق العالم ثم نسيه وهذا في حده ذاته أشد درجات الفشل. والسؤال الهام هنا أين يمكننا أن نجد الحقيقة؟ في كتاب "قصور الفلسفة" للفيلسوف "ول ديورانت" هناك تساؤل يقول كيف نجيب على سؤال بيلاطس الخادع؟ هل نتبع عقلنا المغامر؟ أم الحكم الغاشم لحواسنا؟ وأما السؤال فهو ما هي الحقيقة؟ فقد تكون نتيجة لمجموعة من المقدمات الكبرى التي تتجمع داخل العقل الإنسانى في حين أن الحقيقة نفسها لا توجد داخل العقل لأن عقول البشر مختلفة فاذا كانت متشابهة اختفى معيار الصواب والخطا وكذلك لا توجد في الحواس لان جميع حواس البشر متشابهه فالكل يرى الشجرة - مثلا - على هيئتها والجميع يشعر بالحرارة والبرودة على درجات متفاوتة أما إذا اضطربت الحواس بشكل أو باخر فسيختفى معيار الصدق والكذب. لذا فنحن لانثق في الحواس كمعيار للحقيقة لأنها ناموس ثابت وأزلى.
تجدر الإشارة إلى أن كلمة (الفلسفة) استُعملت في معاني متعددة عبر التاريخ، واتسع معناها في بعض المراحل ليستوعب العلوم العقلية بأسرها، فيما تقلص هذا المعنى في مراحل أخرى فاستُعمل عند البعض كما في التراث الإسلامي فيما يخص الفلسفة الأولى، التي تبحث عن المسائل الكلية للوجود التي لا ترتبط بموضوع خاص.
يمكن القيام باستقصاء فلسفي في أي موضوع، لأن الفلسفة تتناول كل ما يوجد في الكون وكل ما له ارتباط بالمعرفة. على أنه من أجل تحقيق أغراض الدراسة، قد جرت العادة أن تُقسم الفلسفة إلى خمسة فروع، وكل فرع ينتظم فيه البحث حول عدد من المسائل المتميزة. هذه الفروع هي:تناولت الفلسفة عبر عصورها الممتدة - بدءاً بنشأتها إلى عصرنا الراهن - مسائل كثيرة، استوعبت فيها تمام المعارف البشرية، وان استقلت منها بعض المعارف والعلوم منذ عصر النهضة في أوروبا، ومن أبرز القضايا التي انبسط عليها البحث الفلسفي: