ما حدود توظيف المعارف الحديثة في فهم الإسلام؟

الاستاذ محمد عبد النور - الجزائر

لا يتوجه هذا الحديث إلى من لم يقتنع بشرعية توظيف المعارف الحديثة في فهم الإسلام والشريعة، ذلك أن هذا الصنف لا يحتاج إلا إلى السير قدما في البحث عن الحقيقة لاكتشاف أنها -أي الحقيقة- العملة التي لها وجهان، وجه ديني ووجه عقلي انطلاقا من كون الإسلام دين الفطرة وأن شهود الحقيقة ليس حكرا على المسلمين، إنما خصوصية المسلم أن الحقيقة ضالته "أنّى" وجدها فهو أحق بها، وفي ذلك إشارة صريحة إلى أن ظهور الحق ليست له جغرافية مخصوصة...
إنما يتجه الكلام أساسا إلى فصل المقال في كيفيات توظيف المعارف الحديثة توظيفا متحررا من الارتهان إلى "التاريخية الغربية"، أعني تجاوز الإسقاطات الساذجة التي تتصور أن المرور من زمن التخلف إلى زمن التقدّم مرهون باتباع تلك التاريخية حذو النعل بالنعل، فالمثقف الذي يتبنى هذا التصور لا يمارس معرفة حقيقية بقدر ما يسعى إلى مجرد إسقاطات لظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية الحاصلة في الغرب المتقدّم، والفارق ساشع طبعا بين ممارسة المعرفة بما هي بحث عن الحقيقة وبين اتخاذ المعرفة مجرد (أداة) في تحقيق مسعى هو في الجوهر أيديولوجي لأنه يجاوز طبائع الأشياء تجاوزا مضاعفا: الأول هو تجاوز الفوارق الثقافية والاجتماعية في تطور الأفكار والجماعة الحاملة المجسدة لها. الثاني هو العزوف عن الآليات الحقيقية للمارسة المعرفية كما هي حاصلة في الغرب بوصفها مجرد نموذج لا تحنيط فيه، وهو في النهاية تصور لا يخرج عن إطار (الأندجينا الثقافية) التي تستشعر نقصا جوهريا في الذات بوعي أو بغيره. وذلك معنى القانون الخلدوني: المغلوب مولوع دائما وأبدا بتقليد الغالب. فكيف يمكن أن نتجاوز هذا القصور؟
إن النموذج البديل الذي يوظف المعرفة الغربية توظيفا سليما يقوم أساسا على ممارسة الممارسة المعرفية الحقة، وهو تصور وظيفي يتعالى على كل تاريخية سواء التاريخية الغربية أو حتى التاريخية العربية-الإسلامية، فيحصّل ليس مجرد الأدوات المعرفية لكن كيفيات توظيف الأدوات للحفر في النوازل الظرفية بغاية ملاءمة النظرية مع الظرف، سواء تعلق الأمر بظروف النظرية أو ظروف النوازل، فلا يكون التعامل اعتباطيا أو حدّيا، أعني مثلا أن يكون المميز هو فقط "الجدّة" في النظريات وإسقاطها بوصفها المحاولة الأكثر جاذبية، فلا يخرج أن يكون الأمر متعلقا بأسملة للمعارف لا تتجاوز المقابلة القاصرة بين معارف الأنا والآخر، فيكون السعي هو مجرد تبيِئة للمعارف لا تعي التفاصلات الجوهرية في الممارسة الغربية الحاصلة في المجال الغربي...