إمبراطورية المغول
1206 – 1368
إمبراطورية المغول أو الإمبراطورية المغولية أو الإمبراطورية المنغولية (بالمغولية: ذœذ¾ذ½ذ³ذ¾ذ»ر‹ذ½ ذ*ذ·رچذ½ر‚ ذ“ز¯ر€رچذ½، نقحرة: مونگولين إيزنت گورن) أكبر إمبراطورية ككتلة واحدة، وثاني أضخم إمبراطورية في التاريخ من حيث المساحة بعد الإمبراطورية البريطانية،[1][2] وأعظم رعب مر على تاريخ أوراسيا. وهي نتاج توحيد قبائل المغول والترك في مايسمى حاليا منغوليا، فبدأت بتيموجين (جنكيز خان) الذي أعلن حاكما لها عام 1206 فكانت فاتحة للغزوات التي وصلت أقصى مدى لها عام 1405 من حوض الدانوب حتى بحر اليابان، ومن فيليكي نوفغورود بالقرب من الحدود الروسية الفنلندية حتى كمبوديا[3] حيث حكمت شعوب تعدادها التقريبي 100 مليون نسمة[4] ومساحة من الأرض مقدارها
33,000,000 كم2 (12,741,000 ميل2)[5] أي 22% من مساحة اليابسة على الكرة الأرضية. ولهذه الأسباب تُعرف هذه الإمبراطورية أيضا باسم الإمبراطورية المغولية العالمية، بما أنها انتشرت في معظم أنحاء العالم القديم المعروفة.[6][7][8][9][10][11] انتشر العديد من التقنيات الجديدة والأيديولوجيات المختلفة عبر أنحاء أوراسيا، خلال عهد هذه الإمبراطورية المطوّل.
ظهرت بدايات تمزق تلك الإمبراطورية في أعقاب الحرب على وراثة الحكم ما بين عاميّ 1260 و1264[معلومة 2] ما بين القبيلة الذهبية وخانات الجاكاتاي وهو بواقع الأمر بمثابة استقلال ورفض الخضوع لقوبلاي خان كخاقان للمغول.[12][13] ولكن بعد موت قوبلاي خان انقسمت الإمبراطورية إلى أربعة خانات أو إمبراطوريات، كل منها يهدف لتحقيق مصالحه واهتماماته الخاصة،[14] لكن الإمبراطورية ككل بقيت متماسكة، متحدة وقوية.[15] اتخذ خانات أسرة يوان الكبار، لقب أباطرة الصين، وقاموا بنقل عاصمتهم من قراقورم إلى خان بالق (بكين حاليّا). وعلى الرغم من أن معظم الخانات تقبلوا هؤلاء الحكّام الجدد وقدموا لهم الولاء وبعض الدعم بعد معاهدة السلام عام 1304، فإن الخانات الثلاثة الغربية تمتعت باستقلال تام تقريبا،[16][17] واستمر كل منها بالازدهار والنمو وحده، كدولة ذات سيادة. وبنهاية القرن الرابع عشر كانت معظم خانات الإمبراطورية قد تحللت وانتهى أمرها،[18][19] على الرغم من أن أسرة يوان الشمالية استمرت بحكم منغوليا حتى القرن السابع عشر.[20]
التسمية[عدل]
يُطلق على هذه الإمبراطورية تسميتين باللغة المنغولية، وهي: مونگولين إيزنت گورن (بالمنغولية: ذœذ¾ذ½ذ³ذ¾ذ»ر‹ذ½ رچذ·رچذ½ر‚ ذ³ز¯ر€رچذ½)، وهي تعني حرفيّا "الدولة الإمبراطورية للمغول"، وإيخ منگول أولس (بالمنغولية: ذکر… ذœذ¾ذ½ذ³ذ¾ذ» رƒذ»رپ)، التي تعني حرفيّا "الإمبراطورية المغولية العظمى". تستخدم التسميتين بشكل متساو، وتترجم إلى اللغة العربية والإنكليزية تحت اسم "الإمبراطورية المغولية" أو "إمبراطورية المغول".
التاريخ السياسي[عدل]
تاريخ منغوليا
قبل جنكيز خان
إمبراطورية المغول
الخانات
- خانة قيتاي
- القبيلة الذهبية
- الإيلخانية
- أسرة يوان
يوان الشمالية
الدولة التيمورية
مغول الهند
خانية القرم
خانية سيبير
خانة زونغار
سلالة تشينغ (منغوليا في عهد التشينغ)
جمهورية الصين
جمهورية منغوليا الشعبية (منغوليا الخارجية)
منغوليا المعاصرة
منغجيانغ (منغوليا الداخلية)
جمهورية الصين الشعبية (منغوليا الداخلية)
بورياتيا المنغولية
كالميكيا المنغولية
المغول الهزارة
المغول الايماق
تسلسل زمني
تحرير
تسلسل الأحداث المهمة[عدل]
1206 تيموجين يسيطر على منغوليا ويلقب باسم جنكيز خان.
1207 غزو الصين بدءا بدولة شيا الغربية التي تشمل أراضي ضخمة من الشمال الغربي للصين وجزء من التبت ولم تنتهي إلا بعام 1210 عندما خضع ملك شيا الغربية لحكم جنكيز خان، وخلال تلك الفترة خضع الأويغور الترك بسهولة للمغول مما سهل لهم الوصول إلى المناصب العليا بالإمبراطورية.
1211 عبر جنكيز خان بجيوشه صحراء غوبي لاحتلال مملكة جين الصينية الموجودة بشمال الصين.
1215 انتهاء العمليات العسكرية على مملكة جين بتدميرها وإلحاقها بالإمبراطورية.
1218 أخذ المغول زيتسو وحوض تاريم وكاشغر.
1218 السلطان محمد شاه خوارزم يقتل مبعوث جنكيز خان مما أدى إلى اندفاع المغول غربا.
1219 توغل المغول غربا وعبورهم نهر سيحون وبداية غزواتهم لبلاد ما وراء النهر.
1219-1221 وبينما الحملة على شمال الصين لا تزال مستعرة شن المغول حربا لاهوادة لها في أواسط آسيا حيث دمروا الدولة الخوارزمية. الملاحظة المهمة هنا أن الحملة انطلقت بعدة اتجاهات مرة واحدة والملاحظة الأخرى أن جنكيز خان جهز بنفسه وحدات خاصة للبحث عن السلطان محمد الذي هرب منهم وانتهى به المطاف مقتولا بجزيرة في بحر قزوين.
1223 ازدادت قوة المغول بعد نصرهم الحاسم بمعركة نهر كالكا على الروس السلاف وإبادتهم الجيش الروسي بالكامل بواسطة القائد سوبوتاي.
1227 موت الخان العظيم قائد المغول وعودة جميع القواد إلى مجلس الحكم قوريلتاي بالعاصمة المنغولية، هنا تكون الإمبراطورية قد وصلت إلى مساحة 26 مليون كم مربع تقريبا بمعنى أكبر بأربع مرات الإمبراطورية الرومانية أو حتى إمبراطورية الإسكندر الأكبر بأوجهما.
1237 القائد المغولي باتو خان مؤسس القبيلة الذهبية وحفيد جنكيز خان يعود بجيوشه غربا لإخضاع الروس السلاف.
1240 كييف يتم نهبها بالكامل، وبنفس الوقت إرسال حملة عسكرية لغزو كوريا.
1241 سحق الجيوش الهنغارية والكرواتية بمعركة ساجو، والبولنديين مع فرسان الهيكل والفرسان التويتونيين والبروس بمعركة ليغنيتسا.
1241-1242 غزو بلغاريا وإجبارهم على دفع الجزية السنوية وإظهار الخضوع والتبعية للمغول.
1251 إعلان مونكو خانا عظيما للمغول.
1258 تدمير هولاكو لبغداد ونهبها.
1260 هزيمة المغول أمام المماليك بقيادة قطز في معركة عين جالوت.
1294 موت قوبلاي خان، وبموته تفككت الإمبراطورية إلى خانات.
البداية[عدل]
 طالع أيضًا: جنكيز خان
خارطة سياسية للعالم قبل غزوات جنكيز خان.
كانت أسرة "لياو" القياتيّة تحكم منغوليا، منشوريا، وأجزاء من شمال الصين، منذ القرن العاشر الميلادي، قبل بروز نجم "أسرة جين" التي أسسها الشعب الشوجيني. وفي عام 1125 أطاحت أسرة جين بأسرة لياو، وحاولت أن تسيطر على المقاطعات التي كانت الأخيرة تحكمها، إلا أن المغول، تحت قيادة "قابول خان"، الجد الأكبر لتيموجين (جنكيز خان)، استطاعوا أن يردوا الغزاة على أعقابهم ويمنعوهم من السيطرة على تلك الأراضي، وكان ذلك في أوائل القرن الثاني عشر. أدّت هذه الأحداث إلى بروز منافسة حادة بين المغول والتتار في نهاية المطاف، وكان ملوك أسرة جين الذهبيون يدعمون التتار ويشجعونهم، كي يضمنوا بقاء قبائل المغول الرحّل ضعيفة. وفي ذلك العهد، كان هناك خمسة خانات (قبائل) قوية تقطن الهضبة المنغوليّة، ومنها المغول والتتار.
تمكن تيموجين، ابن أحد الزعماء المغول والذي عانى من طفولة صعبة، تمكن ببراعة سياسية وقبضة عسكرية حديدية من توحيد قبائل منغولية - تركية رحل كانت بالسابق شديدة التنافس فيما بينها، وبمساعدة حليفه، الزعيم من القبيلة الكيراتيّة، وانغ خان، وصديق طفولته المقرّب، "جاموقا" من عشيرة جادران، تمكن من التغلب على قبائل الميرغيديون—الذين كانوا قد اختطفوا زوجته "بورته"—بالإضافة للنايميون والتتار. منع تيموجين جنوده من النهب والسلب والاغتصاب دون إذنه، وقام بتوزيع الغنائم الحربية على المحاربين وعائلاتهم بدلا من الأرستقراطيين،[21] وبهذا حصل على لقب "خان"، بمعنى "السيد"—إلا أن أعمامه كانوا أيضا ورثة شرعيين للعرش، وقد أدى هذا الأمر إلى حصول عدد من النزاعات بين قوّاده ومساعديه، واستغل أعمامه هذا الأمر ليقنعوا "جاموقا" والكيراتيين بالتخلي عنه لصالح أرستقراطيين أخرىن، حيث ادعوا أن تيموجين ليس سوى مغتصب للعرش. كان لمركز تيموجين القوي وسمعته المهيبة بين المغول وغيرهم من الرحّل، أثر كبير على نخبة الكيراتيين، حيث خشوا جميعهم توسعه المرتقب وسلطته المتنامية، ولهذا انقلب عليه جميع أعمامه وأبناؤهم، بالإضافة لغيرهم من رؤساء العشائر، وبالتالي تقلّص عدد قواته بشكل كبير وكاد أن يُهزم في حرب تلت هذه الفترة، لولا أن انضم إليه بعض القبائل الأخرى الموالية له. قام المغول، في الفترة الممتدة بين عاميّ 1203 و1205، بتدمير كل القبائل العاصية المتبقية، وضمها تحت حكم تيموجين، الذي توّج في العام التالي، أي سنة 1206، "خان" الإمبراطورية المغولية، في "قوريلتاي" (جمعية عامة أو مجلس) وخلع على نفسه لقب "جنكيز خان"، الذي يعني على الأرجح "الحاكم الكبير" أو "الحاكم العالمي" أو "الحاكم الذي لا يلين"، بدلا من الألقاب القبلية القديمة مثل "غور خان" أو "تايانغ خان". يُعد المؤرخين هذا الحادث بداية عهد الإمبراطورية المغولية تحت حكم جنكيز خان.
صورة جنكيز خان في متحف القصر الوطني في تايبيه، تايوان.
قام جنكيز خان بتعيين أصدقائه المقربين قوادا في جيشه وحرسه الشخصي والمنزلي، كما قام بتقسيم قواته وفق الترتيب العشري، إلى وحدات تتألف من فرق، تحوي كل فرقة منها عدد محدد من الأشخاص، فكانت وحدة الأربان تتألف من فرق تحوي 10 أشخاص في كل منها، وحدة الياغون تتألف كل فرقة منها من 100 شخص، وحدة المنغان من 1000 شخص، ووحدة التومين من 10,000 شخص، كما تمّ تأسيس فرقة الحرس الإمبراطوري وتقسيمها إلى قسمين: الحرس النهاريون والحرس الليليون.[22] وكان جنكيز خان يُكافئ أولئك الذين يظهرون له الإخلاص والولاء ويضعهم في مراكز عليا، وكان معظم هؤلاء يأتون من عشائر صغيرة قليلة الأهمية والمقدار أمام العشائر الأخرى. يُعرف أن الوحدات العسكرية الخاصة بأفراد عائلة جنكيز خان كانت قليلة بالنسبة للوحدات التي سلّمها لرفاقه المقربين. أعلن الأخير في وقت لاحق قانونا جديدا للإمبراطورية هو "الياسا" أو "إيخ زاساغ"، ودوّن فيه كل ما يرتبط بالحياة اليومية والعلاقات السياسية للرحّل في ذلك الوقت، ومثال ذلك: منع صيد الحيوانات في موسم تزاوجها، بيع النساء، سرقة ممتلكات الغير، بالإضافة للقتال بين المغول،[23] وقام جنكيز خان بتعيين أخاه المتبنى "شيغي خوتهوغ" بمنصب قاضي القضاة،وأمره بالاحتفاظ بسجل عن الدعاوى المرفوعة والمشاكل التي تقع. وبالإضافة للأمور الأسرية، الغذائية، والعسكرية، أطلق جنكيز خان حرية المعتقد ودعم التجارة الداخلية والخارجية، وكان يعفي الفقراء ورجال الدين من الضرائب المفروضة عليهم وعلى ممتلكاتهم.[24] ولهذه الأسباب، انضم الكثير من المسلمين، البوذيين، والمسيحيين، من منشوريا، شمال الصين، الهند، وبلاد فارس، طوعا إلى إمبراطورية جنكيز خان، قبل أن يشرع بفتوحاته الخارجية بوقت طويل. اعتنق هذا الخان الأبجدية الأويغورية، التي شكلت فيما بعد أساس الأبجدية المنغولية، وأمر المعلّم الأويغوري "تاتاتوانغا"، الذي كان يعمل في خدمة خان النايميين، بتعليم أبنائه.[25]
الحملات العسكرية خلال حكم جنكيز خان.
سرعان ما وقع جنكيز خان، بعد بروز إمبراطوريته كقوى عظمى، في نزاع مع أسرة جين الشوجينية، وأسرة زيا الغربية التغوتيّة، حكّام شمال الصين، فقام بغزو ممالك الصين الشمالية هذه بسرعة وضمها إليه، ثم حصلت بعض الاستفزازات فيما بينه وبين الدولة الخوارزمية القوية، على الحدود الغربية، لإمبراطوريته، مما حدا بالخان للاتجاه غربا صوب آسيا الوسطى حيث احتل خوارزم ودمرها واحتل بلاد ماوراء النهر وفارس، بعد ذلك هاجم كييف الروسية والقوقاز وضمهم إلى ملكه. قبل مماته وزع تركته الإمبراطورية بين أبنائه وحسب الأعراف يبقى الحكم للأسرة المالكة والتي هي من سلالته فقط.
ذروة ازدهار الإمبراطورية[عدل]
الإمبراطورية عند موت جنكيز خان.
عند وفاة جنكيز خان عام 1227 كانت الإمبراطورية المغولية تمتد من المحيط الهادئ حتى بحر قزوين، أي أنها كانت تبلغ في حجمها ضعفي حجم الإمبراطورية الرومانية ودول الخلافة الإسلامية.[26] ثم توسعت لأكثر من هذا في العهود التي تلت، تحت حكم من أتى من ذريّة الأخير.
الفتوحات الكبرى في عهد أوقطاي خان[عدل]
أوقطاي خان، ابن جنكيز خان وخليفته.
بعد موت جنكيز خان استلم أوقطاي خان، الابن الثالث للخان الراحل، الحكم عام 1229، وفقا لرغبة والده، وبعد أن أشرف أخاه الأصغر، تولي خان، على أمور الإمبراطورية لسنتين، فاعتبر الحاكم الثاني للإمبراطورية. أرسل أوقطاي، بمجرد اعتلائه العرش، جنوده إلى السهوب التي تحكمها قبائل القبجاق، ليُخضع شعوب الباشقير والبلغار، وسرعان ما اتجه الجيش إلى تلك البلاد واخضعها بعد أن تحالف الباشقير معهم.[27] أما في الشرق، فكان الجيش المغولي قد أعاد نفوذ الإمبراطورية إلى جميع أنحاء منشوريا، فسحق سلالة شيا الشرقية، والتتار البحريون.
قام الخان الكبير بقيادة جيشه في حملة على أسرة جين، بعد أن أعاد الشوجينيون بناء أنفسهم وهزموا وحدة عسكرية مغوليّة، وقام الجنرال "سوبوتاي" باحتلال مدينة "كايفنغ" عاصمة الإمبراطور "وانيان شوسو"، بعد أن كان الأخير قد أمر بقتل المبعوث المغولي عام 1232،[28] وبمساعدة أسرة "سونغ" تمكن المغول من القضاء نهائيا على سلالة جين عام 1234. لكن هذا التحالف الذي جاء متأخرا لم يفرض السلام بين الحليفين، حيث قام الجنود السونغيون باسترجاع المناطق التي كانت تحت حكمهم وخسروها لصالح الأسرة الزائلة، وقتلوا مناظرا مغوليّا أثناء ذلك.[29] وفي هذه الفترة، كان الجنرال شورمقان، المُرسل من قبل أوقطاي، قد قضى على جلال الدين منكبرتي، أخر شاه للدولة الخوارزمية، والذي كان قد هزم القوات المغولية بالقرب من أصفهان عام 1229، وتقدم فاتحا أذربيجان، جورجيا، وأرمينيا. أما الممالك الصغيرة في جنوب بلاد فارس، فقد تقبلت سلطان المغول عليها.[30][31] كانت محاولة أوقطاي خان ضم شبه الجزيرة الكورية إلى الإمبراطورية أقل نجاحا بكثير من حملته السابقة، على الرغم من انتصار جيشه على الكوريين، حيث أن ملك سلالة غوريو استسلم ولكنه عاد وانتفض، وقتل المشرفون المغول والكوريون الموالون لهم.[32]
باتو خان ينهب سوزدال في فبراير من عام 1238، لوحة مصغرة عن الرسمة الأصلية من القرن السادس عشر.
قام أوقطاي، بعد أن أنهى بناء عاصمته الجديدة، قراقورم، بتأسيس إدارات مغولية يرأسها مسلمون وقيتايون، في شمال الصين، تركستان، وبلاد ما وراء النهر، وكان ذلك ما بين عاميّ 1235 و1238، كما أنشأ عدد من مراكز إعادة التموين وشقّ الطرقات، وأنعم على الشعوب التي غزاها بالهدوء والاستقرار حيث قمع السرقة والقرصنة وكل ما من شأنه أن يخل بالأمن. في هذا العهد، اشترك كل من "شيخيخوتغ"، أخ جنكيز خان اللاشقيق، و"يلو شوكاي"، أحد الحكام القياتيين، اشتركا في حكم إدارتهما، تحت سلطة أوقطاي خان التي كان الجميع، من أقارب حكّام وجنرالات، يحترموها ويهابوها. استمر أوقطاي بتقديم خيراته واظهار كرمه للشعب، حتى بعد وفاة شقيقه تولي، عندما أصبح يُعاقر الخمر بكثرة، حيث خصص ذبح خروف واحد من بين كل مئة وأمر بتوزيعها على الفقراء.
قرر أوقطاي خان، في جلسة بالقوريلتاي، عام 1234، أن يغزو الأراضي التابعة لسلالة سونغ، القبشاك وحلفائهم الغربيون، والكوريون، وكل هؤلاء كانوا قد قتلوا مبعوثين مغول. فأرسل 3 جيوش يقودها أبناؤه "كوشو" و"قوتن"، والجنرال التانغوتي "شاغان" لغزو جنوب الصين، فاحتلت الجيوش المغولية شيانغيانغ، يانغتسي، وسيشوان، إلا أنهم لم يستطيعوا توجيه الضربة القاضية لأعدائهم، فقد استطاع الجنرالات الصينيون أن يسترجعوا شيانغيانغ عام 1239، كما توفي "كوشو" بشكل مفاجئ مما جعل الجيش المغولي مشلولا في جنوب الصين. قام الأمير "قوتن" بغزو التبت بعد تراجع القوات في الصين.
في تلك الفترة، كان الجيش المغولي، بقيادة باتو خان ومستشاره "سوبوتاي"، قد اجتاح دول البلغار، الآلانيون، القبشاك، الباشقير، المورديفيون، والشوفاشيون، بالإضافة لبلدان شعوب أخرى تقطن جنوب السهوب الروسية. واجه هذا الجيش إمارة ريازان الروسية لأول مرة عام 1237، واستطاع، بعد حصار دام لثلاثة أيام وقصف عنيف، أن يدخل المدينة، حيث قاموا بذبح كل سكانها. وفي عام 1238 استطاع المغول تدمير جيش إمارة فلاديمير الكبرى في معركة نهر السيت، واستولوا على "مغاس"، عاصمة الآلانيون. وبحلول عام 1240 كانت جميع أراضي الروس السلاف، بما فيها كييف، قد سقطت بأيدي الغزاة الآسيويين ماعدا بضعة مدن شمالية، وقام المغول في فارس، تحت قيادة "شورمقان"، بوصل المناطق التي غزوها بمناطق باتو خان و"سوبوتاي"، وبهذا كانوا قد أجبروا النبلاء الجورجيون والأرمن على الاستسلام.[33] كان مندوب البابا إلى خان المغول قد كتب في مذكراته عندما مر على كييف خلال شهر فبراير من عام 1246:
«أنهم هاجموا روسيا وتركوا ورائهم خراب عظيم من تدمير للمدن والقلاع وذبح البشر، وقد دخلوا كييف عاصمة الروس بعد حصار طويل فأعملوا فيها السيف ولم يتركوا أحدا، وعندما مررنا خلال تلك الديار وجدنا عددا لايحصى من الهياكل العظمية والعظام متناثرة بمساحة ضخمة من الأرض. كييف كانت مدينة ذات كثافة سكانية والآن لانرى من البشر أحدا هنا، ومن لم يقتل بالسيف فقد أخذوه كسخرة وعبيد.[34]»
ساءت العلاقة بين جويوك، ابن أوقطاي الأكبر، بوري، حفيد خاغطاي، وباتو خان، خلال وليمة النصر التي أقاموها في جنوب روسيا بعد فتحهم لكل هذه المناطق، لكن كل من جويوك وبوري لم يستطيعا فعل شيء للاضرار بمركز باتو، طالما أن عمه، أي أوقطاي، ما زال حيّا. وفي هذا الوقت كان الأخير قد قام بغزو أوخ شريف، لاهور، وملتان، في سلطنة دلهي، وجعل مناظرا مغوليّا متمركزا في كشمير،[35] كما قبل الجزية المعروضة عليه من مجلس ولاية غوريو، وقوّى مركزه مع الكوريين بالأساليب الدبلوماسية والقوة العسكرية.[36][37][38] نقل مجلس غوريو عاصمته، في نهاية المطاف، إلى جزيرة خانغوان قبالة سواحل كوريا الجنوبية الحالية.
معركة ليغنيتسا عام 1241، منقولة عن لوحة من القرون الوسطى.
بعد غزو روسيا، تقدم المغول في فتوحاتهم لقلب أوروبا، فسقطت في أيديهم كل من بولندة، المجر، وترانسلفانيا. وعندما قام الجناح الغربي من الجيش المغولي بنهب المدن البولندية، تشكل حلف أوروبي يتألف من البولنديون، المورافيون، فرسان القديس يوحنا، الفرسان التيوتويين، وفرسان الهيكل، ليوقف الزحف المغولي عند مدينة ليغنيتسا بألمانيا. إلا أن المغول تمكنوا من الانتصار على أعدائهم، حيث هزموا المجريون وحلفائهم الكرواتيون وفرسان الهيكل بالقرب من قرية "موهي"، بتاريخ 11 أبريل 1241، وبعد هذا الانتصار تقدم المغول لمواجهة جيوش بوهيميا، صربيا، بابنبورغ النمساوية، والإمبراطورية الرومانية المقدسة.[39][40] وعندما وصلت قوات باتو لبوابة فينا وشمال ألبانيا، وصلته أنباء وفاة أوقطاي خان في ديسمبر 1241،[41][42] وكما جرت العادة، كان على جميع الأمراء الخانات أن يحضروا جلسة القوريلتاي لانتخاب خليفة للخان المتوفى. انسحب الجيش المغولي الغربي من أوروبا الوسطى في السنة اللاحقة، فنجت أوروبا الغربية من هؤلاء الفاتحين.
الصراع على السلطة[عدل]
بعد موت أوقطاي خان أخذت التصدعات الخطيرة تطفو إلى السطح، واستمرت على هذا المنوال لمدة خمس سنوات، فقد تسلمت أرملة أوقطاي، توراكينا خاتون، الحكم، وأساءت معاملة المسؤولين القياتيين والمسلمين الذين كان زوجها قد قام بتعينهم، وأعطت مراكزهم لحلفائها،[43] وقامت ببناء القصور والكاتدرائيات وغيرها من المنشآت الدينية والتعليمية في جميع أنحاء الإمبراطورية. استطاعت توراكينا أن تحصل على دعم معظم الأرستقراطيين المغول لتأمين وصول جويوك، ابن أوقطاي، إلى سدة الحكم، إلا أن باتو اعتذر عن المجيئ إلى القوريلتاي ليدلي بصوته، زاعما أنه مريض، وأن مناخ منغوليا سيؤثر سلبا على صحته، فاستمر الفراع الإمبراطوري لأكثر من 4 سنوات. يرى المؤرخون أن هذا الفراغ الرئاسي المفاجئ كان سبب الأحداث اللاحقة التي أدت في نهاية المطاف لانحلال الوحدة المغولية. في هذا الوقت، كانت الجيوش المغولية بقيادة الجنرال "بايجو" قد هزمت قوات السلاجقة في الأناضول، وخربت عددا من المناطق التابعة لأسرة سونغ، بالإضافة لأراض في سوريا، كوريا، العراق، والهند.[44] وكان "تيموجي"، الشقيق الأصغر لجنكيز خان، قد هدد توراكينا خاتون بالاستيلاء على العرش، وعندما وصل الخبر إلى جويوك، عاد مسرعا إلى بلاده ليضمن اعتلائه العرش دون غيره، وفي هذا الوقت كان باتو، حاكم القبيلة الذهبية، قد وافق على إرسال إخوته وقواده إلى القوريلتاي، فتمكنت توراكينا خاتون من جمع أعضاء هذا المجلس أخيرا في عام 1246. كانت حملات جويوك في منشوريا وأوروبا قد أعطته المنزلة والسمة الضرورية لاعتباره خاقانا، على الرغم من أنه في الوقت الذي كان سيتم انتخابه به، كان مريضا ومدمنا على الخمر، وقد حضر انتخابه عدد من كبار الشخصيات الأجنبية والمغولية على حد سواء، فبالإضافة للنبلاء المغول وغير المغول، وصل عدد من الديبلوماسيين والقواد الخاضعين لسلطانه من جورجيا، كوريا، الصين، روسيا، تركستان، أذربيجان، تركيا، سوريا، إيران، روما، وبغداد.[45][46] بعد انتهاء حفلة التتويج، أمر جويوك بالحد من اضطهاد واستغلال النبلاء، وأظهر أنه سيستمر سائرا على نهج أبيه، فعاقب عشراء والدته عقابا شديدا بتهمة التحريض والفساد، ماعدا الحاكم آرغون الأكبر، وجعل أورغا ومونكو خان يحققون بأمر أخ جده "تيموجي" بشكل سرّي، قبل أن يأمر بإعدامه،[47] كما أمر بعزل "قرا هوليغو"، خانقان خان شقتاي، وتعيين أقرب أبناء عمومته إليه، "يسو مونكو" مكانه، ليعينه على القيام بأعباء الحكم. توفيت "ألتالاون"، ابنة جنكيز خان، بطريقة غامضة خلال سنوات حكم جويوك، كما كان هناك قدر من عدم الارتياح بين أفراد القبيلة الذهبية، إلا أن باتو خان، كان على الرغم من ذلك يحترم سلطة جويوك، ولم يقدم على عقد أي علاقة مع دولة أجنبية قبل أن يستشير الأخير ويحصل على إذنه. قام جويوك بتعين دايفيد أولو، الابن غير الشرعي لملك جورجيا "جورجي لاشا"، ملكا على عرش المملكة الجورجية،[48] وقسّم سلطنة الروم بين عز الدين كيكاوس بن كيخسرو وركن الدين قلج ارسلان بن كيخسرو، على الرغم من أن الأول عارض هذا التدبير.[49][50]