الدولة السامانية
السامانيون سلالة تركية حكمت في بلاد ماوراء النهر وأجزاء من فارس وأفغانستان ما بين 74/819-999 م.
المقر: بخارى.
ينحدر مؤسس السلالة سامان من أسر البراهمة (الرهبان في الديانة الفارسية القديمة). أصبح أحفاده الأربعة بعد 819 م ولاة من قبل الطاهريين على كل اراضي التابعة لتورانيين اسلاف توركمان من سمرقند، فرغانة، شاش وهراة. تلى نصر الأول بن أحمد (874-892 م) أباه في الولاية على سمرقند سنة 864 م. بعد سقوط دولة الطاهريين سنة 874 م أصبح واليا على ماوراء النهر من قبل العباسيين ثم استقل بالأمر. قام أخوه إسماعيل (892-907 م) بالقضاء على دولة الصفاريين (حتى سنة 903 م) ثم ضم إليه أفغانستان وأجزاء كبيرة من فارس مع خراسان. بلغت الدولة أقصى اتساعها أثناء عهد نصر الثاني (914-943 م): من بغداد، كرمان ومازندان (على الخليج الفارسی) حتى تركستان وحدود الهند. بعد 945 م أزاح البويهيون السامانيين عن ماوراء النهر وخراسان.
في عهد منصور الأول (961-976 م) ثم نوح الثاني (976-997 م) عرفت الحياة الفكرية عصر ذهبيا، وأصبحت العاصمة بخارى مركزا للثقافة الفارسية وآدابها. بعد حروب طويلة مع القبائل التركية الضاربة على حدود الدولة الشرقية أنهكت الدولة. استولى الغرنويون سنة 994 م على خراسان ثم ضم القراخانات مناطق ماوراء النهر سنة 999 م. قتل آخر الأمراء السامانيين سنة 1005 م أثناء محاولته الفرار.
أل سامان أو السامانيون من عائلة عرفت بالرياسة قبل الإسلام وبعده, فقد كان جَدُهم بهرام بن خشنش الساماني عاملا لكسرى هرمز على أذربيجان قبل حلول الإسلام بين ظهرانيهم. ولما ولي المأمون العباسي خراسان لأبيه هرون الرشيد قربهم إليه ورفع منهم واستعملهم أمراءَ على مناطق ِنفوذ ِهم. ولما عاد المأمون كخليفة إلى بغداد في سنة مئتين وأربعَ للهجرة استخلف أولادَ أسد الساماني على أهم المدن في خراسان.فجعل نوح بن أسد على سمرقند وأحمد بن أسد على فرغانة ويحيى بن أسد على الشاش واشروسنه والياس بن أسد على هراة، فلما ولي طاهر بن الحسين خراسان أبقاهم على أعمالهم هذه، ثم توفي نوح بن أسد.وولي أخوه أحمد بن أسد ولما توفي أحمد بن أسد استخلف ابنـَه إسماعيل بن أحمد بن أسد الساماني على أعماله بسمرقند.. في سنة مئتين وإحدى وستين للهجرة. في ربيع الأول من سنة مئتين وسبع وثمانين للهجرة ,عمرو ابن الليث الصفار حاكمُ نيسابور يتمكن من عدو ألخلافه العباسية الأول في ذلك الوقت رافع بن هرثمه بعد معركة عنيفة ويبعثُ برأسه للخليفة العباسي المعتضد. ويطلبُ من الخليفة توليتـَه بلاد َما وراء النهر الغنية, ومرادَ ِكل ِطامع ثمنا لذلك. وكما هو ديدنُ كل ِمن يقفُ على رأس السلطة السياسية في بغداد الخليفة أو وزراؤه، متغلبٌ واحدٌ قوي موال ٍفي كل مصر من أمصار ألدوله ,هو المطلبُ الثابت للخلافة. ولذا أرسل الخليفة العباسي لواء ألخلافه وخلعا وهدايا سنيه إلى نيسابور ورضا الخلافة عن سعي عمرو بن الليث الصفار لبسط نفوذه على بلاد ما وراء النهر، أو بلاد إسماعيل بن أحمد الساماني. كان عمرو بن الليث الصفار يستصغرُ أمر، إسماعيل بن أحمد الساماني أمير ِبلاد ما وراء النهر، فبعث إليه من نيسابور جيشا متواضعا في العدة والعدد ,وجعل على ذلك الجيش خليفتـَه وحاجبـَه واخصَ أصحابه وأكبرَهم عنده الأمير محمد ابن بشير. تقدم محمد بن بشير بجيشه إلى مدينة آمل، المدينة التي بإزاء بلاد ما وراء النهر، ولكن الأخبارَ كانت قد وصلت سريعا إلى إسماعيل بن أحمد الساماني ,فعبر إليهم بجيشه نهرَ جيحون فأدركهم فور وصولهم ,وهم على قدر كبير من التعب، فأوقع بهم هزيمة ًفادحه قـُتل في المعركة ستة ُآلاف مقاتل بينهم أميرُ الجيش ِنفسُه محمد بن بشير.وانهزم الباقون إلى نيسابور وهم بأسوأ حال. فكان وقعُ الهزيمة الغيرُ متوقعه في نفس عمرو بن الليث الصفار كالصاعقة. جهـّزَ عمرو بن الليث الصفار فور وصول ِطلائع ِجيشِه المنهزم، جيشا كثيفا ,وجمع الكثيرَ من المتطوعة وأطلقَ المالَ لهذا الجيش وأحسن عدتـَه, ورغم أن جميعَ أصحابه وكبار ِ قادتِه أشاروا عليه بإنفاذ ِالجيوشَ تحت إمرة ِقادته الكبار والذين خبروا القتالَ طويلا وان لا يخاطرَ هو بنفسِه. عزم عمرو على أن يقودَ كتائبَ هذا الجيش بنفسِه ليستردَ مهابتـَهُ التي بددتها هزيمتـُه ,بعث إسماعيل بن أحمد الساماني كتابا إلى عمرو بن الليث الصفار جاء فيه: انك قد وليت دنيا عريضة فاقنع بما في يدك واتركني مقيما بهذا الثغر الذي في يدي. فأبى عمرو بن الليث الصفار إلا القتال. تقدم عمرو بن الليث الصفار أميرُ نيسابور على رأس جيشِه بعد أن أتم كاملَ استعداداتِه للمواجهة الحاسمة ,ولأن الحربَ خدعه ,واصل الأميرُ إسماعيل الساماني كتبَه إلى عمرو الصفار التي يطلب فيه المصالحة َ, ويتعطفـُه بلين الخطاب لإيهامه بأنه على غير استعداد ٍ للمواجهة.ولكن الحقيقة َ كانت غيرَ ذلك. بلغ جيشُ الصفار نهرَ بلخ في موسم الفيضان، فسأتعصى عليه العبورُ لشدة ِجريان مياه النهر, فأشار عليه قوادُه بالرجوع ,ولكنه أبى إلا المواجهة ,وقال : لو شئتُ أن اسكـّرَ هذا النهرَ ببيدر ٍمن الأموال وأعبرَه لفعلت. انتفعَ إسماعيل بن أحمد الساماني من التحرك المكشوف لخصمه عمرو بن الليث الصفار فعبر إلى الضفة الغربية لنهر جيحون بسرعة خاطفه, وأحاط بجيش خصمِه من كل ناحية لكثرة ِ جموعِه, والصفار لم يزل يعالجُ معدات العبور إلى الضفة الشرقية. انتبه عمرو إلى الحقيقة المرعبة وبشكل مفاجئ انه محاصرٌ تماما, فأ ُسقط ما في يده ,وبعث بكتاب إلى إسماعيل يخبره فيه بأنه وافق على الصلح الذي أراد، وطلب المحاجزه, ولكن إسماعيل هو الذي يأبى هذه المرة ولن يقبلَ إلا بالمناجزه ,فندم حينئذ عمرو بن الليث الصفار على ما فعل, ولكن لات ساعة مندم. اشتبك الجيشان في معركة حاميه كثـُرَ القتلُ فيها بين الفريقين ,وبالرغم من وجود عمرو بن الليث الصفار مقاتلا بين جنوده إلا أن المباغتة حطت من معنوياتهم. فلم يكن بين الجيشين كثيرُ قتال حتى انهزم جيشُ عمرو بن الليث الصفار شرَ هزيمة, وتفرقوا في كل ناحية طلبا للنجاة. فأمر من تبقى معه من الجنود ِ, أن يسيروا في الطريق الواضح وان يغذوا السيرَ حتى ينصرفَ الذين يتبعونه خلف جملة ِجيشه, وسلك هو طريقا آخرا ظن انه منجيه. فوحلت به دابتـُه ودوابُ من معه. فمضى أصاحبُه في سبيلهم وتركوه لوحده، ولم يكن له في نفسه حيله ,فأدركه أصحابُ إسماعيل وأخذوه أسيرا. وصل خبُر اسر ِعامل ألخلافه وثقتِها الأمير عمرو بن الليث الصفار إلى أسماع الخليفة المعتضد العباسي في بغداد.وبما أن الحقَ عند الخليفة هو دوما ًمع القوي المنتصر ,مدح الخليفة ُالمعتضد إسماعيلَ بن أحمد الساماني وذم عمرو بن الليث الصفار في مجلسه، وبذا برز إسماعيل بن أحمد الساماني كواحد من المع القواد في تلك النواحي وفي ذلك الزمان واشتهر أمرُه بين رجالات السياسة في البيت العباسي وقادة ِجيوشهم, الأمرُ الذي مهد فيما يأتي من الأيام لفرض ملك آل سامان كأمر ٍواقع ٍمعترف ٍ به. أرسل الخليفة المعتضد إلي الأمير إسماعيل الساماني الخلعَ والهدايا واقره واليا على ما كان في يده وما أنتزعه من الصفارين في المعارك الأخيرة من أعمال. وفي واحد ٍمن مواقف الشهامة القليلة بين الخصوم في مثل تلك الظروف, خيّرَ الأميرُ المنتصر إسماعيل بن أحمد الساماني أسيرَه الأميرَ المهزوم عمرو بن الليث الصفار بين المقام عنده أو إنفاذ ِه إلى الخليفة المعتضد, وحتى يُكملَ عمرو بن الليث الصفار مسلسلَ قراراتِه الخاطئة اختار الترحيلَ إلى بغداد. فبعث به إسماعيلُ إلى هناك فلما وصل موكبُه. خرج رجالُ الخليفة على مبعدة ٍمن العاصمة لاستقباله, فأدخلوه إلى بغداد مشتهرا على جمل وطيف به في المدينة إذلالا له ,ومن ثم أودع َالسجنَ وبقي به محبوسا حتى ا ُخرج وقـُتل في عام مئتين وتسعة وثمانين للهجرة بعد عام واحد من اسر ِه. محمد بن زيد العلوي صاحب طبرستان والديلم يستغلُ الفراغ َالذي حصل في خراسان بعد أن سمع بأسر عمرو بن الليث الصفار واضطراب حكم الصفارين فخرج من طبرستان نحو خراسان ظنا منه أن إسماعيل الساماني اكتفى بكسر جيش الصفار وأسره وانه لا يتجاوزُ عملـَه ولا يقصدُ خراسان وانه لا دافعَ له عنها. أرسل إليه إسماعيل الساماني يقول له"إلزم عملـَك ولا تتجاوزُه ولا تقصدُ خراسان، واقره على جرجان التي في يديه عاملا له عليها ,فأبى ذلك محمد زيد. فندب إليه القائد محمد بن هارون ,. فجمع جمعا كثيرا من فارس ٍ وراجل وسار نحو محمد بن زيد فالتقوا على باب جرجان واقتتلوا قتالا شديدا فانهزم أصحابُ محمد بن زيد وقتل منهم بشرٌ كثير وأصابت بنَ زيد ضرباتٌ وا ُسر ابنـُه زيد بن محمد بن زيد ونـَهبَ بنُ هرون عسكرَه وما فيه، ثم مات محمد بن زيد بعد أيام من جراحاته التي أصابته وحُملَ ابنـُه زيد بن محمد إلى الأمير إسماعيل بن محمد الساماني فأطلق سراحَه. في سنة مئتين وتسعين للهجرة أميرُ الجيوش السامانية محمد بن هارون الذي كان قد حارب محمد بن زيد العلوي وتولى طبرستان لإسماعيل بن أحمد الساماني، يخلع طاعة َالأمير الساماني ويسيرُ إلى الري ويقتلُ واليها (الدتمش التركي) ويستولي عليها. إسماعيل بن أحمد الساماني يبعث بجيشه على جناح السرعة فيهزم ُ محمد بن هارون ويُلجئُه إلى الديلم مستجيرا ً بهم، ويدخلَُ إسماعيل الري ويُقطعُها لبارس الكبير على أن يُحضر َ له الأمير المشاقق محمد بن هارون قسرا ً أو صلحا ً ,فكاتبه بارس وضمن له إصلاح حاله مع الأمير إسماعيل فقبل َ محمد قوله دون أن يظن أنها خديعة, فما أن وصل حتى قـُيّد وحُمل َ إلى بُخارى وقـُتل فيها. في منتصف صفر سنة مئتين وخمس وتسعين للهجرة، توفي َ إسماعيل بن أحمد الساماني أميرُ خراسان وبلاد ما وراء النهر بعاصمة ألدوله السامانيه بخارى, وولي َ بعده ابنه ُ أبو نصر أحمد بن إسماعيل الساماني. خرج الأمير الجديد إلى سمرقند في أول ِفعل ٍقام به, َ وقبض َ على أقوى منافسيه على زعامة البيت الساماني عمُه إسحاق بن ُ أحمد لئلا يخرج َ عليه ويشغلـَه. ومن سمرقند توجه إلى جرجان إذ امتنع عاملـُها بارس الكبير من حمل الأموال إلى بخارى بعد سماعه بموت إسماعيل، فهرب بارس إلى بغداد خوفا ً منه في أربعة ألاف فارس بعد أن كتب َ إلى المكتفي العباسي يستأذنه ُ في المسير إليه. واتت كتبُ المكتفي يعهد بالولاية إلى المتغلب الجديد أحمد بن إسماعيل الساماني. توفي المكتفي بالله العباسي ابن المعتضد بن الموفق بن المتوكل، وتولى أمَر الخلافة من بعده أخوه جعفر بن المعتضد ولقب بالقاهر.وفي سنة مئتين وست وتسعين هـ الوزير العباس بن الحسن يجمع القوادَ والقضاة في عاصمة الخلافة بغداد ويخلع المقتدر ويبايع ابن المعتز وسُمي َ المرتضي بالله ,هاهنا وقفاتٌ قلما تتكرر في التأريخ فبعد بضعة أيام يُخلعُ المرتضي ويعود المقتدر العباسي خليفة ًمن جديد. يطلب المقتدر من نصر بن أحمد الساماني أن يضم إليه سجستان وما تبقى من الأعمال التي لم تزل في يد الصفارين. في رجب سنة مئتين وثمان وتسعين للهجرة استولى أبو نصر أحمد بن إسماعيل الساماني على سجستان وبها المعدل بن علي بن الليث الصفار فأخذه واخذ َ أخاه ُ محمد بن علي بن الليث أسيرين بعد أن كسروا جيشه. واستولوا على عسكره ِ. واستعمل عليها سيمجور الدواتي. وكتب َ أحمد إلى المقتدر بالقبض عليهما, فطلب منه المقتدرُ أن يحملـَهما إلى بغداد. وبعد أن أتم أحمد بن إسماعيل الساماني سلطانـَه ودعم ملكَه أطلق َ عمَه إسحاق بن أحمد من محبسه ِ بعد أن زال خطرُه, وولاه سمرقند وفرغانه. ورد كتابُ عامل طبرستان أبو العباس صعلوك يُخبر أحمد بن إسماعيل الساماني بظهور الحسن بن علي والملقب بالأطروش واستيلائه على طبرستان وانه أخرجه عنها بعد أن كسر جيش السامانيين فيها، وأنه خارج بجموع غفيرة من الديلم, فغَم الأميرَ ذلك ونفر بجيشه إلى هناك. وكان له أسدٌ يربطـُه كلَ ليلة ٍعلى باب مبيته فلا يجسرُ أحدٌ أن يقربَه، فلما كان في بعض الطريق اغفل الخدمُ إحضار الأسد ِتلك الليلة فدخل إليه جماعة ٌمن غلمانِه فذبحوه على سريره وهربوا، وكان قتلـُه ليلة َالخميس في الثالث والعشرين من جماد الآخره سنة إحدى وثلاثمئة،
يتبع