آخر المواضيع

  • مواضيع مميزة
  • <-> عساكم بألف خير <-> الفرق بين الأنا والأنانية <-> مضافة العمادة <-> زومبي <-> الفن القصصي بين النمطية والحداثة البنيوية <-> هي وجسد نصّه <-> قيد <-> قلب .. الفائز بالمركز الأول في المسابقة 2021 <-> استغفال\\ الفائز بالمرتبة الثانية في المسابقة 2021 <-> هلع حقيبة\\ الفائز بالمركز الثالث في المسابقة 2021 <->
  • مواضيع ننصح بمشاهدتها
  • <-> المسابقة التشاركية- بنك المعلومات <-> فن الرواية \ كولن ولسون <-> الكذاب البريء!! <-> قنديل الرغائب <-> كيف تستغني عن مراكز رفع الملفات <-> ما هي القصة القصيرة جدا \ م الصالح <-> مصراع نور \ م الصالح <-> نبارك للفائزين في المسابقات الرمضانية <-> الوطن ..خديعة كبرى <-> الومضة الحكائية والشعرية ..موروث عربي <->
  • مواضيع إلزامية
  • <-> عضو جديد! تفضل من هنا لو سمحت <-> أهلا بكم في منتداكم الجديد <->

    النتائج 1 إلى 3 من 3

    الموضوع: قراءة تحليلية لقصة /عزل صحي /للمبدعة إيمان سالم

    1. #1
      أديب صورة رمزية إفتراضية للعضو الفرحان بو عزة
      تاريخ التسجيل
      Aug 2020
       الحالة : الفرحان بو عزة غير متواجد حالياً
       التقييم : 30
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      21
      بمعدل يومياً
      معدل تقييم المستوى
      0

      قراءة تحليلية لقصة /عزل صحي /للمبدعة إيمان سالم

      قراءة تحليلية اقصة" عزل صحي" للمبدعة:/ إيمان سالم/تونس
      تحت عنوان:الإيقاع الفني بين النظام الداخلي للنفس ونظام العالم الخارجي
      القصة :عزل صحي.
      أخيرا, سكن ليلها..
      فاحت الغرفة بعبق الذكريات,
      كسرت القلم ففاض الحبر و .. امتزجا
      غمست أصابعها ثم مدّت يديها
      و رسمت على صفحة الباب المغلق
      .
      .

      طريق النور
      .................................................. .......
      1 ـــ دلالــة العنوان
      يعتبر العنوان مفتاحا للنص، له وظيفة تأثيرية وجمالية، فكلما كان محفزا ومثيرا فإن القارئ قد يتفاعل مع النص، أو يبتعد عنه ولو كان النص يستحق القراءة. فالعنوان"عزل صحي" جملة اسمية تدل على الثبات والاستقرار. فأول ما يلفت فكر القارئ انطلاقا من العنوان، هو أن مضمون النص سوف يتكلم عن عزل مصابين بمرض معد، وخضوعهم للرعاية في منازلهم أو المستشفى قبل أن ينقلوا مرضا ما لأشخاص آخرين.. فالعنوان عتبة لا يمكن أن يتخطاها القارئ، إذ يتساءل عن مدى انسجام العنوان مع مضمون النص؟ هل العنوان يتحدث عن أحد مصاب بمرض معد؟ هل تخضع شخصية ما لعزل صحي خوفا من العدوى،؟ هل تتناول البطلة أدوية للعلاج؟ فالكاتبة لم تحدد سبب العزل الصحي؟ وما هي الجهة الساهرة على تطبيق إجراءاته؟ أسئلة قد يتخلى القارئ عن بعضها لما يلج عالم النص وقد يعزز بعضها.
      وإذا ما اقتنع القارئ أن النص سوف يتكلم عن مصابة بمرض، وتعاني من وطأة المرض. فإنه قد يطرح السؤال التالي: كيف تكون حالتها النفسية والاجتماعية والأسرية وهي كسجينة في بيت، أو غرفة في المستشفى؟ وقد يتخيل القارئ أن النص سوف يتحدث عن مؤثرات المرض المنتشر في العصر الحالي /كورونا/. فالأمراض لا تنفك تحتل مكانها في الحياة الإنسانية، حيث تشكل قلقا وخوفا يسكن أعماق الوعي الإنساني، فيفقد الإنسان كل معاني الحياة من قوة الاستمرار والتجدد والاستقرار النفسي والاجتماعي.
      فالعنوان "عزل صحي" محفز للقراءة، لكنه محفوف بانزلاق القارئ في التأويل الذي قد يخيب ظنه. لأن المبدع يختارـــ في بعض الأحيان ـــ عنوانا مخاتلا يمارس فيه نوعا من التحايل ليجذب القارئ، ويوجهه وجهة تختلف مع رؤية الكاتب. يقول الدكتور محمد البنداري " إن العنوان هو الذي يوجه قراءة القصة، ويجذب القارئ؛ لأنه يغتني بمعان جديد تتوضح دلالات القصة فيها، فالعنوان هو المفتاح الذي به تحل ألغاز الأحداث ونسقها الدرامي وتوترها السردي، إضافة إلى مدى أهميته في استخلاص البنية الدلالية للنص، وتحديد تيمات الخطاب القصصي، وإضاءة النصوص بها، إن العنوان كما كتب " كلود دوشيه عنصر من النص الكلي الذي يستبقه ويستذكره في آن، بما أنه حاضر في البدء فهو يعمل كأداة وصل وتعديل للقراءة. "(1)
      2 ـــ تحليل خطاب النص
      أثارت انتباهي تلك النقطة في بداية القصة قبل الدخول إلى عالم النص، ولعلها تدل على كلام محذوف سكتت عنه الكاتبة. فكلمة "أخيرا" فاصلة بين زمنين، فكأن قصة أخرى غائبة جرت قبل كلمة "أخيرا". تلك النقطة محفزة للقارئ ومتوقفة عليه ليدخل في التخمين والتأويل، ومعرفة ما وقع قبل كلمة "أخيرا".. ماذا وقع في الليالي السابقة؟ هل عانت من آلام عديدة؟ هل أصابها الأرق؟ هل أصيبت بالهوس؟ هل كانت تخطط لشيء ما؟ هل انساقت وراء تداعي الأفكار؟ هل فتحت خزانة الذكريات؟
      أــــ أخيرا، سكن ليلها../ كـلمة "أخيرا" فاصلة بين حالتين: حالة الليالي السابقة مضمرة، وحالة الليلة الأخيرة ساكنة وهادئة. وهي إشارة أن الليالي السابقة كلها كانت تتميز باليأس والإحباط وضيق النفس مصحوبة برؤية محدودة لما يوجد بين الجدران. أفكارها مشتتة ومغلفة بالسوداوية، فلم يعد لتلك الحياة معنى، فالخوف النفسي والرعب الفكري يقض النفس ويهدم الأمل، فينمحي المستقبل المشرق ويحل الظلام الأسود. فكيف تغيرت الحالة من فوضى نفسية وفكرية إلى حالة السكون؟ ما هي الدوافع والأسباب؟ هل هناك محفزات خارجية أو داخلية؟ هل البطلة عادت إلى نفسها وذاتها؟ فجملة / ليلتها/ كناية عن الزمن الذي قضته البطلة في سكينة وهدوء، فلقد غمرتها السعادة، وعاشت إحساسا مختلفا، وشعورا متميزا، بعدما انفتح فكرها على الماضي وما يخزنه من ذكريات جميلة فقدتها مع العزل الصحي. فالعزل الصحي شمل كل الحيوات التي كان الإنسان يحس بها ويتذوقها بتلقائية، تغيرت العلاقة الأسرية، وتباعد الأحباب، وتقلصت الزيارات، فتولدت عادات جديدة. فالبطلة عوضت ما ينقصها في الحياة التي بدت باردة وباهتة بالاسترجاع والتداعي، فكأنها تسرق شموعا من الماضي لتضيء الحياة من جديد.
      ب ــــ فاحت الغرفة بعبق الذكريات,/اهتمت الكاتبة بالمكان /الغرفة/ كفضاء ضيق ممتلئ بروائح عطرة، تحرك النفس وتجعلها مفعمة بالحركة والحيوية. فالغرفة لم تتبدل ولم تتغير، نفس الأشياء، نفس الجدران... ولكن الإنسان قابل للتغير والتحول في ثوان، فحياة الغرفة مرتبطة بحركة البطلة وحيويتها التي تعمل على توليد الأمل والتفاؤل وانشراح النفس والقلب بمحفزات داخلية /الذكريات/ المخزنة في صندوق الذكريات. فالبطلة عادت إلى تلك الفترة الجميلة بفكرها وذهنها وذاتها كمعين ومساعد، فاستحضرت صورة شخصيتها الماضية عسى أن تبدد اللحظة المظلمة التي تعيش فيها رغم أنها ولت وخلت، كانفراج محتمل يحمل نفحات من تلك الذكريات الجميلة. فهل استطاعت البطلة أن تعيد تلك اللحظة الهاربة مع الزمن؟ وهل استطاعت أن تتخطى ذكريات زمن العزل الصحي المؤلمة؟ بطلة نامية متحركة، استطاعت أن تحول ليلها يطفح بالسكون بعدما استجمعت قوتها الفكرية والنفسية والذاتية من أجل التحول والتغيير.
      ج ـــ كسرت القلم ففاض الحبر و .. امتزجا/جملة سردية تلمح إلى نوع من التمرد والثورة من أجل التغيير. فلماذا كسرت البطلة القلم؟ ولماذا أفرغــته من الحبر؟ ماذا يعني لها فيضان الحبر؟ هل قلمها لم يعد نافعا لتغيير حياة الروتين التي تعيشها البطلة؟ هل قلمها لم يعد يحمل في حبره إبداعا جيدا؟ قضية تكسير القلم قد تشغل بال القارئ وتحفزه للبحث عن رمزيها المغرقة في التاريخ،فهل تكسير القلم له علاقة بالموروث التاريخي والإنساني؟ حيث كان القاضي في الدول الغربية عندما يحكم على المتهم بالإعدام كان يكسر قلمه، معتبرا إياه بتحمل المسؤولية في موته. فكسر البطلة لقلمها يرمز إلى إعدام اللحظة التي تعيشها البطلة، إما أن تكون تخلت عن القلم الذي يحمل في طياته عددا كبيرا من أحداث مؤلمة تولدت في زمن العزل الصحي، وإما تخلت عنه بدعوى التغيير والتجدد، وزرع حياة جديدة في نفسها وذاتها ومحيطها، فقد سئمت من سجن نفسها في ذكريات الماضي وهي تعيش أحزانا تحمل الخوف والقلق وانتظار الموت البطيء. بسبب انتشار المرض بين الناس. إنها لحظة الحسم من أجل التغيير وإضاءة النفس والذات وتوسيع فضاء القلب والنفس وشحنهما بطاقات جديدة تحمل في طياتها نورا تمشي به نحو عالم تعود إليه البسمة للوجوه والإحساس بالوجود.
      ــــ و..امتزجا/ فكسر القلم وفيضان الحبر، حالة تؤشر على فتور العاطفة وموت المشاعر، وهروب الإبداع، فلم يعد نهر المشاعر يجري، ولم يعد حبر القلم يتدفق على الصفحات، ولم تعد سحب الأفكار تأتي محملة بالعطاء والإلهام. فالبطلة أصيبت بانتكاسة كبيرة كادت أن تدمر حياتها، لكنها تفطنت قبل أن يفوت الأوان، فعملت على توليد بداية حياة جديدة، ولن يتأتى لها ذلك إلا بــإعدام لحظة السجن المفترض والانعزال والانطواء، والخوف والقلق على المصير، وتآكل النفس والذات داخل فضاء ضيق / الغرفة/ تطبيقا للعزل الصحي مخافة أن تصاب بمرض ما.
      أعود من حيث بدأت، فكسر القلم، وفيضان الحبر، هما صورتان تؤشر على العنف ونية التدمير، بينهما زمن مضمر قصير، قد يدركه القارئ عن طريق التخيل والتصور، لما يرى سيلان الحبر وهو يغطي مساحة معينة، والقلم ممدد داخل السائل. فالكاتبة خلقت من القلم والحبر وامتزاجهما صورة شبيهة بمقتول داخل دمه./و..امتزجا/ فصورة الامتزاج جاءت قبلها نقط الحذف بعد الرابط "الواو" الذي يدل على حالة ما سبقت حالة "الامتزاج". نقط الحذف تدل على أن كلاما محذوفا سكتت عنه الكاتبة، قد ترمز إلى حديث نفسي مضمر، وكلما انتهى الحديث يبدأ حديث آخر، إنها دوامة الحيرة والتردد والبحث عن مخرج تضمن البطلة فيه النجاة. حالة نفسية تحفز القارئ أن يتصور ويتخيل ماذا وقع بعد كسر القلم وفيضان الحبر عن طريق والتأويل، تخمين قد ينسجم مع مضمون الصورة. فكسر القلم هو كسر للأفكار القديمة، وكسر للذكريات التي أفسدت عليها متعة التطلع إلى مستقبل أفضل. وامتزاج القلم بالحبر خلق لوحة جديدة للحياة. لوحة تولدت من الهدم إلى البناء، من اليأس إلى التفاؤل، من الإحباط إلى الأمل، من الضيق إلى الانفتاح..... وقد قال الكاتب محمد الماغوط: "مداد قلم الكاتب مقدّس مثل دِم الشهيد".
      أهي رمزية لمحاولة البطلة قتل الصورة القديمة لحياتها؟ هل أحست باختناق طال أمده بين جدران لا تتغير؟ هل يئست من الحياة بسبب العزل الصحي؟ هل أرادت أن تستبدل قلمها القديم بقلم جديد؟ هل تود أن تجدد أفكارها ورؤيتها للحياة؟ هل تنطلق من جديد نحو المستقبل دون العودة للماضي؟
      د ـــ غمست أصابعها ثم مدّت يديها/ فكرة غمس الأصابع في المداد له رمزية تتجلى في طرح ما تعلق بأصابعها من حياة رتيبة، فهي تنظف حياتها، وتغسل أصابعها لتصبح نظيفة لتتمكن من خط وتسطير مسار جديد. فقد سئمت من اللف والدوران في فضاء محدود لا يعطيها فرصة لتجديد نمط حياتها، فهي تحاول أن تفك أغلال الرتابة من أصابعها ويديها لتحفز الجميع للعمل. فاستبدلت القلم بالأصابع لتوليد لوحة مشرقة لحياتها لتكون بديلة لأزمتها الخانقة. لوحة مفتوحة على عالم يفسح المجال لنفسها وذاتها لكي تستمتع بما حرمت منه داخل فضاء الغرفة الضيق، وتحرير أفكارها وعقلها وشعورها من سجن كاد أن يعدم حياتها.
      ـــ ثم مدّت يديها/ " ثم" تفيد الترتيب في الزمن، فالبطلة غمست كل أصابعها في الحبر دون استثناء، فصورة الغمس منسجمة مع صورة امتداد يديها، رمزية دالة على الانتقال من حالة إلى حالة أخرى قد لا تخرج عن رغبة ملحة للنجاة والخلاص. مدت يديها / فالفعل "مد" خلق نوعا من الحركة والحيوية، والانتقال من مكان إلى مكان أرحب وأوسع، وفي نيتها أن ترسم مسلكا جديدا لقلب الحياة، وتغيير النمط القديم، عن طريق فتح الباب المغلق.
      ه ـــ و رسمت على صفحة الباب المغلق/ فشخصية البطلة هي من الشخصيات النامية المتحولة، لأنها استطاعت أن تولد من نفسها وذاتها قوة لزحزحة وضعيتها الرتيبة نحو وضعية تتميز بالأمل والتفاؤل. وضعية منفتحة على العالم الخارجي الذي قد تتغير فيه الحالات والوضعيات في الثانية والدقيقة واليوم...تحول رمزت له ب "طريق النور". فماذا تعني الكاتبة بطريق النور؟ فهل تعني به الخروج من الظلام النفسي؟ فهل استعدت للخروج من محنتها النفسية والفكرية دفعة واحدة؟ فهل خرجت فعلا من ذلك الفضاء الضيق إلى فضاء العالم الخارجي الواسع؟ فهل كانت تتخيل وتتصور وهي رابضة في مكانها؟ فهل حققت وجودها في العالم الخارجي؟ أم ندمت على إتباع طريق لم يكن في صالحها؟ ما هو النور التي تبحث عنه البطلة؟ أهو نور النفس والذات؟ أهو نور الفضاء الواسع؟ هناك كلام محذوف بين حالة الرسم على صفحة الباب المغلق، وبين جملة "طريق النور" فجوة متوقفة على القارئ أن يملأها بما ينسجم مع وضعية الرسم على صفحة الباب المغلق. وهي صورة صامتة تثير فضول القارئ فيتساءل: ماذا رسمت البطلة على صفحة الباب؟ هل رسمت لوحة تتخيل فيها حياة ثانية؟ هل عبرت عن أزمتها النفسية والذاتية بكلمات تطالب ب/الحرية / التحرر النفسي والفكري/الإنقاذ/ طلب النجاة/هل جاد إعصار الإلهام عليها بشيء؟ (قصيدة شعرية/ كتابة سيرة ذاتية/) هل كانت واثقة من نفسها أنها ستخرج إلى طريق النور؟ .....هي محاولة للبدء في إحداث ثقب تطل منه على حياة جديدة مبنية على التغيير والتحول. فهل أفلحت البطلة في تبديد الغم والهم، ورتابة الحياة التي عاشتها داخل العزل الصحي؟ أم كانت تتوهم وهي لم تبرح مكانها؟
      3 ـــ عتبة الخروج /النهاية
      ختمت الكاتبة القصة بنهاية مطبوعة بالسكوت والتردد والحيرة في بادئ الأمر، سكوت لمدة زمنية جعلها محتارة في انتقاء المخرج الذي ينقذها من محنتها، فرغم الاستعدادات النفسية والفكرية وشحنها بالقوة والعزيمة والتحدي، فإنها بقيت مدة زمنية والأفكار تنازعها، فاختلطت عليها السبل وأبواب الخلاص النفسي، فتساءلت: ماذا أرسم على صفحة الباب المغلق؟ فالقارئ يجهل مضمون الرسم التي رسمته البطلة؟ ولكنه رسم يقود إلى "طريق النور". فماذا تعني بطريق النور؟ فهل تعني بالنور طريق الهداية؟ هل تستعين بنور قلبها وفكرها؟ هل تستعين بنور الله الموجود في قلبها؟
      بطلة في حاجة إلى نور من الله لتبديد ظلمة النفس، وفتح بصيرتها لكي تضمن البقاء على قيد الحياة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالقبول والرضا للحالة التي تعيش فيها، لأنها لم تكن مساهمة في وجودها، فما عليها إلا أن تتقوى بالإيمان والصبر حتى يفرج الله على عباده. نهاية مفتوحة خاضعة لكفاءة كل قارئ وقدرته على جعل نهاية القصة مفتوحة. فكل القصص لها نهايات مفتوحة وإن بدت مغلقة لقارئ ما.
      4 ــ التداخل الأجناسي
      سؤال يحضر كل قارئ بعد الانتهاء من قراءة القصة. هل هذا النص الإبداعي يدخل في القصة القصيرة جدا، أم يدخل في الومضة القصصية؟ أم يدخل ضمن الخاطرة؟ والجواب قد يكون من الصعب الحسم فيه ، فالنقاد واجهوا صعوبة في الاتفاق على نظرية الأجناس الأدبية تكون مقنعة، ولم يتمكنوا من وضع الحدود الفاصلة بينها. فالأجناس الأدبية وأنواعها تعددت وتطورت عبر الأجيال الأدبية والتجريب المستمر.
      يقول الباحث ماهر حميد" إن الأدب بشكل عام لا يمكن له أن "ينشأ في الفراغ، وإنما في حضن مجموعة من الخطابات الحية التي يشاركها في خصائص عديدة"، الأمر الذي يلغي فكرة نقاء الجنس، ولهذا نجد نظرية الأجناس الحديثة هي نظرية وصفية، لأنها لم تضع الحدود بين الأنواع الأدبية". (2)
      وختاما
      نستنتج مما تقدم أن نص "عزل صحي" يتضمن نوعا من السرد المتداخل بالمشاعر التي تسرد لذاتها، تجمع بين الحالة الوجدانية للبطلة كحالة داخلية، نقلتها الكاتبة كموقف من الحياة الاجتماعية التي مرت بها، والتي تتجلى في العزل الصحي الذي فرضته جهة ما سكت عنه النص. وهل تشير الكاتبة بقصتها إلى العزل الصحي؟ أم العزل النفسي؟
      فإذا كانت القصة القصيرة جدا تنحو نحو الإيجاز والتكثيف، فإن الخاطرة تنحو نحو المحسنات البديعية. وعليه فإن نص "عزل صحي" خاطرة تتداخل مع القصة القصيرة جدا. تقول الدكتورة عبير خالد يحيى "والخاطرة هي جنس أدبي نثري يمتاز بكثرة المحسنات البديعية، من صور واستعارات وكنايات وتشبيه وتشخيص بعمق انزياحي أو رمزي، بمقطوعة أدبية موجزة وقصيرة"(3)

      .................................................. ..
      1 ــــ د. محمد البنداري/ ملتقى "القصة القصيرة والقصة القصيرة جدًا في الأدب السعودي"/ جامعة الملك سعود – كرسي الأدب السعودي/السبت/23/ نونبر/2013 /مدونة تعنى بالسرديات /إعداد وتحرير الدكتور حسين المناصرة.
      2 ــــ الباحث: ماهر حميد/ تداخل الأجناس الأدبية.. قراءة نقدية/ كلية الآداب/ جامعة البصرة/ قراءات نقدية/صحيفة المثقف.

      3 ـــ الدكتورة عبير خالد يحيى/الخاطرة الأدبية.. مع أطلس يبين حدودها الجنسية التي تفصلها عن القصة القصيرة المكثفة وقصيدة النثر/ المثقف - قراءات نقدية /أدب ومسرح

    2. #2


      أديب
      الصورة الرمزية مصطفى الصالح
      تاريخ التسجيل
      May 2020
       الحالة : مصطفى الصالح غير متواجد حالياً
      الإقامة
      في الغربة
       البلد : فلسطين
        العمل : مهندس ومترجم
       هواياتي : القراءة والكتابة والترجمة
       التقييم : 603
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      5,343
      بمعدل يومياً
      مقالات المدونة
      6
      معدل تقييم المستوى
      10
      \\\\\\\\

      ما شاء الله

      قراءة نوعية تحليلية نقدية مميزة جدا

      كم أنا فخور بوجودكم في هذا النادي الأدبي الصاعد

      بمثل هذه القامات وهذه القراءات نتقدم وننمو

      شكرا لا تكفيك فشكرا بحجم الشكر

      تقييم 10 نقاط للكاتب وتقييم 5 نجوم للموضوع

      كل التقدير
      من يزرع يحصد

      لا تبخل على الزملاء برأيك وفكرك، وهم سيفعلون مثلك!

      أنا كثير السهو والنسيان لذلك ذكرني بالشيء الذي تريد مني رؤيته


    3. #3
      أديبة الصورة الرمزية إيمان سالم
      تاريخ التسجيل
      Jul 2020
       الحالة : إيمان سالم غير متواجد حالياً
       البلد : تونس
        العمل : محاسبة
       هواياتي : المطالعة، الابداعات اليدوية..
       التقييم : 30
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      692
      بمعدل يومياً
      معدل تقييم المستوى
      5
      اقتباس المشاركة الأصلية حررها الفرحان بو عزة مشاهدة المشاركة
      قراءة تحليلية اقصة" عزل صحي" للمبدعة:/ إيمان سالم/تونس
      تحت عنوان:الإيقاع الفني بين النظام الداخلي للنفس ونظام العالم الخارجي
      القصة :عزل صحي.
      أخيرا, سكن ليلها..
      فاحت الغرفة بعبق الذكريات,
      كسرت القلم ففاض الحبر و .. امتزجا
      غمست أصابعها ثم مدّت يديها
      و رسمت على صفحة الباب المغلق
      .
      .

      طريق النور
      .................................................. .......
      1 ـــ دلالــة العنوان
      يعتبر العنوان مفتاحا للنص، له وظيفة تأثيرية وجمالية، فكلما كان محفزا ومثيرا فإن القارئ قد يتفاعل مع النص، أو يبتعد عنه ولو كان النص يستحق القراءة. فالعنوان"عزل صحي" جملة اسمية تدل على الثبات والاستقرار. فأول ما يلفت فكر القارئ انطلاقا من العنوان، هو أن مضمون النص سوف يتكلم عن عزل مصابين بمرض معد، وخضوعهم للرعاية في منازلهم أو المستشفى قبل أن ينقلوا مرضا ما لأشخاص آخرين.. فالعنوان عتبة لا يمكن أن يتخطاها القارئ، إذ يتساءل عن مدى انسجام العنوان مع مضمون النص؟ هل العنوان يتحدث عن أحد مصاب بمرض معد؟ هل تخضع شخصية ما لعزل صحي خوفا من العدوى،؟ هل تتناول البطلة أدوية للعلاج؟ فالكاتبة لم تحدد سبب العزل الصحي؟ وما هي الجهة الساهرة على تطبيق إجراءاته؟ أسئلة قد يتخلى القارئ عن بعضها لما يلج عالم النص وقد يعزز بعضها.
      وإذا ما اقتنع القارئ أن النص سوف يتكلم عن مصابة بمرض، وتعاني من وطأة المرض. فإنه قد يطرح السؤال التالي: كيف تكون حالتها النفسية والاجتماعية والأسرية وهي كسجينة في بيت، أو غرفة في المستشفى؟ وقد يتخيل القارئ أن النص سوف يتحدث عن مؤثرات المرض المنتشر في العصر الحالي /كورونا/. فالأمراض لا تنفك تحتل مكانها في الحياة الإنسانية، حيث تشكل قلقا وخوفا يسكن أعماق الوعي الإنساني، فيفقد الإنسان كل معاني الحياة من قوة الاستمرار والتجدد والاستقرار النفسي والاجتماعي.
      فالعنوان "عزل صحي" محفز للقراءة، لكنه محفوف بانزلاق القارئ في التأويل الذي قد يخيب ظنه. لأن المبدع يختارـــ في بعض الأحيان ـــ عنوانا مخاتلا يمارس فيه نوعا من التحايل ليجذب القارئ، ويوجهه وجهة تختلف مع رؤية الكاتب. يقول الدكتور محمد البنداري " إن العنوان هو الذي يوجه قراءة القصة، ويجذب القارئ؛ لأنه يغتني بمعان جديد تتوضح دلالات القصة فيها، فالعنوان هو المفتاح الذي به تحل ألغاز الأحداث ونسقها الدرامي وتوترها السردي، إضافة إلى مدى أهميته في استخلاص البنية الدلالية للنص، وتحديد تيمات الخطاب القصصي، وإضاءة النصوص بها، إن العنوان كما كتب " كلود دوشيه عنصر من النص الكلي الذي يستبقه ويستذكره في آن، بما أنه حاضر في البدء فهو يعمل كأداة وصل وتعديل للقراءة. "(1)
      2 ـــ تحليل خطاب النص
      أثارت انتباهي تلك النقطة في بداية القصة قبل الدخول إلى عالم النص، ولعلها تدل على كلام محذوف سكتت عنه الكاتبة. فكلمة "أخيرا" فاصلة بين زمنين، فكأن قصة أخرى غائبة جرت قبل كلمة "أخيرا". تلك النقطة محفزة للقارئ ومتوقفة عليه ليدخل في التخمين والتأويل، ومعرفة ما وقع قبل كلمة "أخيرا".. ماذا وقع في الليالي السابقة؟ هل عانت من آلام عديدة؟ هل أصابها الأرق؟ هل أصيبت بالهوس؟ هل كانت تخطط لشيء ما؟ هل انساقت وراء تداعي الأفكار؟ هل فتحت خزانة الذكريات؟
      أــــ أخيرا، سكن ليلها../ كـلمة "أخيرا" فاصلة بين حالتين: حالة الليالي السابقة مضمرة، وحالة الليلة الأخيرة ساكنة وهادئة. وهي إشارة أن الليالي السابقة كلها كانت تتميز باليأس والإحباط وضيق النفس مصحوبة برؤية محدودة لما يوجد بين الجدران. أفكارها مشتتة ومغلفة بالسوداوية، فلم يعد لتلك الحياة معنى، فالخوف النفسي والرعب الفكري يقض النفس ويهدم الأمل، فينمحي المستقبل المشرق ويحل الظلام الأسود. فكيف تغيرت الحالة من فوضى نفسية وفكرية إلى حالة السكون؟ ما هي الدوافع والأسباب؟ هل هناك محفزات خارجية أو داخلية؟ هل البطلة عادت إلى نفسها وذاتها؟ فجملة / ليلتها/ كناية عن الزمن الذي قضته البطلة في سكينة وهدوء، فلقد غمرتها السعادة، وعاشت إحساسا مختلفا، وشعورا متميزا، بعدما انفتح فكرها على الماضي وما يخزنه من ذكريات جميلة فقدتها مع العزل الصحي. فالعزل الصحي شمل كل الحيوات التي كان الإنسان يحس بها ويتذوقها بتلقائية، تغيرت العلاقة الأسرية، وتباعد الأحباب، وتقلصت الزيارات، فتولدت عادات جديدة. فالبطلة عوضت ما ينقصها في الحياة التي بدت باردة وباهتة بالاسترجاع والتداعي، فكأنها تسرق شموعا من الماضي لتضيء الحياة من جديد.
      ب ــــ فاحت الغرفة بعبق الذكريات,/اهتمت الكاتبة بالمكان /الغرفة/ كفضاء ضيق ممتلئ بروائح عطرة، تحرك النفس وتجعلها مفعمة بالحركة والحيوية. فالغرفة لم تتبدل ولم تتغير، نفس الأشياء، نفس الجدران... ولكن الإنسان قابل للتغير والتحول في ثوان، فحياة الغرفة مرتبطة بحركة البطلة وحيويتها التي تعمل على توليد الأمل والتفاؤل وانشراح النفس والقلب بمحفزات داخلية /الذكريات/ المخزنة في صندوق الذكريات. فالبطلة عادت إلى تلك الفترة الجميلة بفكرها وذهنها وذاتها كمعين ومساعد، فاستحضرت صورة شخصيتها الماضية عسى أن تبدد اللحظة المظلمة التي تعيش فيها رغم أنها ولت وخلت، كانفراج محتمل يحمل نفحات من تلك الذكريات الجميلة. فهل استطاعت البطلة أن تعيد تلك اللحظة الهاربة مع الزمن؟ وهل استطاعت أن تتخطى ذكريات زمن العزل الصحي المؤلمة؟ بطلة نامية متحركة، استطاعت أن تحول ليلها يطفح بالسكون بعدما استجمعت قوتها الفكرية والنفسية والذاتية من أجل التحول والتغيير.
      ج ـــ كسرت القلم ففاض الحبر و .. امتزجا/جملة سردية تلمح إلى نوع من التمرد والثورة من أجل التغيير. فلماذا كسرت البطلة القلم؟ ولماذا أفرغــته من الحبر؟ ماذا يعني لها فيضان الحبر؟ هل قلمها لم يعد نافعا لتغيير حياة الروتين التي تعيشها البطلة؟ هل قلمها لم يعد يحمل في حبره إبداعا جيدا؟ قضية تكسير القلم قد تشغل بال القارئ وتحفزه للبحث عن رمزيها المغرقة في التاريخ،فهل تكسير القلم له علاقة بالموروث التاريخي والإنساني؟ حيث كان القاضي في الدول الغربية عندما يحكم على المتهم بالإعدام كان يكسر قلمه، معتبرا إياه بتحمل المسؤولية في موته. فكسر البطلة لقلمها يرمز إلى إعدام اللحظة التي تعيشها البطلة، إما أن تكون تخلت عن القلم الذي يحمل في طياته عددا كبيرا من أحداث مؤلمة تولدت في زمن العزل الصحي، وإما تخلت عنه بدعوى التغيير والتجدد، وزرع حياة جديدة في نفسها وذاتها ومحيطها، فقد سئمت من سجن نفسها في ذكريات الماضي وهي تعيش أحزانا تحمل الخوف والقلق وانتظار الموت البطيء. بسبب انتشار المرض بين الناس. إنها لحظة الحسم من أجل التغيير وإضاءة النفس والذات وتوسيع فضاء القلب والنفس وشحنهما بطاقات جديدة تحمل في طياتها نورا تمشي به نحو عالم تعود إليه البسمة للوجوه والإحساس بالوجود.
      ــــ و..امتزجا/ فكسر القلم وفيضان الحبر، حالة تؤشر على فتور العاطفة وموت المشاعر، وهروب الإبداع، فلم يعد نهر المشاعر يجري، ولم يعد حبر القلم يتدفق على الصفحات، ولم تعد سحب الأفكار تأتي محملة بالعطاء والإلهام. فالبطلة أصيبت بانتكاسة كبيرة كادت أن تدمر حياتها، لكنها تفطنت قبل أن يفوت الأوان، فعملت على توليد بداية حياة جديدة، ولن يتأتى لها ذلك إلا بــإعدام لحظة السجن المفترض والانعزال والانطواء، والخوف والقلق على المصير، وتآكل النفس والذات داخل فضاء ضيق / الغرفة/ تطبيقا للعزل الصحي مخافة أن تصاب بمرض ما.
      أعود من حيث بدأت، فكسر القلم، وفيضان الحبر، هما صورتان تؤشر على العنف ونية التدمير، بينهما زمن مضمر قصير، قد يدركه القارئ عن طريق التخيل والتصور، لما يرى سيلان الحبر وهو يغطي مساحة معينة، والقلم ممدد داخل السائل. فالكاتبة خلقت من القلم والحبر وامتزاجهما صورة شبيهة بمقتول داخل دمه./و..امتزجا/ فصورة الامتزاج جاءت قبلها نقط الحذف بعد الرابط "الواو" الذي يدل على حالة ما سبقت حالة "الامتزاج". نقط الحذف تدل على أن كلاما محذوفا سكتت عنه الكاتبة، قد ترمز إلى حديث نفسي مضمر، وكلما انتهى الحديث يبدأ حديث آخر، إنها دوامة الحيرة والتردد والبحث عن مخرج تضمن البطلة فيه النجاة. حالة نفسية تحفز القارئ أن يتصور ويتخيل ماذا وقع بعد كسر القلم وفيضان الحبر عن طريق والتأويل، تخمين قد ينسجم مع مضمون الصورة. فكسر القلم هو كسر للأفكار القديمة، وكسر للذكريات التي أفسدت عليها متعة التطلع إلى مستقبل أفضل. وامتزاج القلم بالحبر خلق لوحة جديدة للحياة. لوحة تولدت من الهدم إلى البناء، من اليأس إلى التفاؤل، من الإحباط إلى الأمل، من الضيق إلى الانفتاح..... وقد قال الكاتب محمد الماغوط: "مداد قلم الكاتب مقدّس مثل دِم الشهيد".
      أهي رمزية لمحاولة البطلة قتل الصورة القديمة لحياتها؟ هل أحست باختناق طال أمده بين جدران لا تتغير؟ هل يئست من الحياة بسبب العزل الصحي؟ هل أرادت أن تستبدل قلمها القديم بقلم جديد؟ هل تود أن تجدد أفكارها ورؤيتها للحياة؟ هل تنطلق من جديد نحو المستقبل دون العودة للماضي؟
      د ـــ غمست أصابعها ثم مدّت يديها/ فكرة غمس الأصابع في المداد له رمزية تتجلى في طرح ما تعلق بأصابعها من حياة رتيبة، فهي تنظف حياتها، وتغسل أصابعها لتصبح نظيفة لتتمكن من خط وتسطير مسار جديد. فقد سئمت من اللف والدوران في فضاء محدود لا يعطيها فرصة لتجديد نمط حياتها، فهي تحاول أن تفك أغلال الرتابة من أصابعها ويديها لتحفز الجميع للعمل. فاستبدلت القلم بالأصابع لتوليد لوحة مشرقة لحياتها لتكون بديلة لأزمتها الخانقة. لوحة مفتوحة على عالم يفسح المجال لنفسها وذاتها لكي تستمتع بما حرمت منه داخل فضاء الغرفة الضيق، وتحرير أفكارها وعقلها وشعورها من سجن كاد أن يعدم حياتها.
      ـــ ثم مدّت يديها/ " ثم" تفيد الترتيب في الزمن، فالبطلة غمست كل أصابعها في الحبر دون استثناء، فصورة الغمس منسجمة مع صورة امتداد يديها، رمزية دالة على الانتقال من حالة إلى حالة أخرى قد لا تخرج عن رغبة ملحة للنجاة والخلاص. مدت يديها / فالفعل "مد" خلق نوعا من الحركة والحيوية، والانتقال من مكان إلى مكان أرحب وأوسع، وفي نيتها أن ترسم مسلكا جديدا لقلب الحياة، وتغيير النمط القديم، عن طريق فتح الباب المغلق.
      ه ـــ و رسمت على صفحة الباب المغلق/ فشخصية البطلة هي من الشخصيات النامية المتحولة، لأنها استطاعت أن تولد من نفسها وذاتها قوة لزحزحة وضعيتها الرتيبة نحو وضعية تتميز بالأمل والتفاؤل. وضعية منفتحة على العالم الخارجي الذي قد تتغير فيه الحالات والوضعيات في الثانية والدقيقة واليوم...تحول رمزت له ب "طريق النور". فماذا تعني الكاتبة بطريق النور؟ فهل تعني به الخروج من الظلام النفسي؟ فهل استعدت للخروج من محنتها النفسية والفكرية دفعة واحدة؟ فهل خرجت فعلا من ذلك الفضاء الضيق إلى فضاء العالم الخارجي الواسع؟ فهل كانت تتخيل وتتصور وهي رابضة في مكانها؟ فهل حققت وجودها في العالم الخارجي؟ أم ندمت على إتباع طريق لم يكن في صالحها؟ ما هو النور التي تبحث عنه البطلة؟ أهو نور النفس والذات؟ أهو نور الفضاء الواسع؟ هناك كلام محذوف بين حالة الرسم على صفحة الباب المغلق، وبين جملة "طريق النور" فجوة متوقفة على القارئ أن يملأها بما ينسجم مع وضعية الرسم على صفحة الباب المغلق. وهي صورة صامتة تثير فضول القارئ فيتساءل: ماذا رسمت البطلة على صفحة الباب؟ هل رسمت لوحة تتخيل فيها حياة ثانية؟ هل عبرت عن أزمتها النفسية والذاتية بكلمات تطالب ب/الحرية / التحرر النفسي والفكري/الإنقاذ/ طلب النجاة/هل جاد إعصار الإلهام عليها بشيء؟ (قصيدة شعرية/ كتابة سيرة ذاتية/) هل كانت واثقة من نفسها أنها ستخرج إلى طريق النور؟ .....هي محاولة للبدء في إحداث ثقب تطل منه على حياة جديدة مبنية على التغيير والتحول. فهل أفلحت البطلة في تبديد الغم والهم، ورتابة الحياة التي عاشتها داخل العزل الصحي؟ أم كانت تتوهم وهي لم تبرح مكانها؟
      3 ـــ عتبة الخروج /النهاية
      ختمت الكاتبة القصة بنهاية مطبوعة بالسكوت والتردد والحيرة في بادئ الأمر، سكوت لمدة زمنية جعلها محتارة في انتقاء المخرج الذي ينقذها من محنتها، فرغم الاستعدادات النفسية والفكرية وشحنها بالقوة والعزيمة والتحدي، فإنها بقيت مدة زمنية والأفكار تنازعها، فاختلطت عليها السبل وأبواب الخلاص النفسي، فتساءلت: ماذا أرسم على صفحة الباب المغلق؟ فالقارئ يجهل مضمون الرسم التي رسمته البطلة؟ ولكنه رسم يقود إلى "طريق النور". فماذا تعني بطريق النور؟ فهل تعني بالنور طريق الهداية؟ هل تستعين بنور قلبها وفكرها؟ هل تستعين بنور الله الموجود في قلبها؟
      بطلة في حاجة إلى نور من الله لتبديد ظلمة النفس، وفتح بصيرتها لكي تضمن البقاء على قيد الحياة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالقبول والرضا للحالة التي تعيش فيها، لأنها لم تكن مساهمة في وجودها، فما عليها إلا أن تتقوى بالإيمان والصبر حتى يفرج الله على عباده. نهاية مفتوحة خاضعة لكفاءة كل قارئ وقدرته على جعل نهاية القصة مفتوحة. فكل القصص لها نهايات مفتوحة وإن بدت مغلقة لقارئ ما.
      4 ــ التداخل الأجناسي
      سؤال يحضر كل قارئ بعد الانتهاء من قراءة القصة. هل هذا النص الإبداعي يدخل في القصة القصيرة جدا، أم يدخل في الومضة القصصية؟ أم يدخل ضمن الخاطرة؟ والجواب قد يكون من الصعب الحسم فيه ، فالنقاد واجهوا صعوبة في الاتفاق على نظرية الأجناس الأدبية تكون مقنعة، ولم يتمكنوا من وضع الحدود الفاصلة بينها. فالأجناس الأدبية وأنواعها تعددت وتطورت عبر الأجيال الأدبية والتجريب المستمر.
      يقول الباحث ماهر حميد" إن الأدب بشكل عام لا يمكن له أن "ينشأ في الفراغ، وإنما في حضن مجموعة من الخطابات الحية التي يشاركها في خصائص عديدة"، الأمر الذي يلغي فكرة نقاء الجنس، ولهذا نجد نظرية الأجناس الحديثة هي نظرية وصفية، لأنها لم تضع الحدود بين الأنواع الأدبية". (2)
      وختاما
      نستنتج مما تقدم أن نص "عزل صحي" يتضمن نوعا من السرد المتداخل بالمشاعر التي تسرد لذاتها، تجمع بين الحالة الوجدانية للبطلة كحالة داخلية، نقلتها الكاتبة كموقف من الحياة الاجتماعية التي مرت بها، والتي تتجلى في العزل الصحي الذي فرضته جهة ما سكت عنه النص. وهل تشير الكاتبة بقصتها إلى العزل الصحي؟ أم العزل النفسي؟
      فإذا كانت القصة القصيرة جدا تنحو نحو الإيجاز والتكثيف، فإن الخاطرة تنحو نحو المحسنات البديعية. وعليه فإن نص "عزل صحي" خاطرة تتداخل مع القصة القصيرة جدا. تقول الدكتورة عبير خالد يحيى "والخاطرة هي جنس أدبي نثري يمتاز بكثرة المحسنات البديعية، من صور واستعارات وكنايات وتشبيه وتشخيص بعمق انزياحي أو رمزي، بمقطوعة أدبية موجزة وقصيرة"(3)

      .................................................. ..
      1 ــــ د. محمد البنداري/ ملتقى "القصة القصيرة والقصة القصيرة جدًا في الأدب السعودي"/ جامعة الملك سعود – كرسي الأدب السعودي/السبت/23/ نونبر/2013 /مدونة تعنى بالسرديات /إعداد وتحرير الدكتور حسين المناصرة.
      2 ــــ الباحث: ماهر حميد/ تداخل الأجناس الأدبية.. قراءة نقدية/ كلية الآداب/ جامعة البصرة/ قراءات نقدية/صحيفة المثقف.

      3 ـــ الدكتورة عبير خالد يحيى/الخاطرة الأدبية.. مع أطلس يبين حدودها الجنسية التي تفصلها عن القصة القصيرة المكثفة وقصيدة النثر/ المثقف - قراءات نقدية /أدب ومسرح




      قراءة في العمق تغلغلت في مفاصل القصّة بشكل سلس,
      انتقل مبدعنا عبرها من العنوان إلى الأحداث و انتهاء بالقفلة
      في ترجمة حيّة
      لمكنونات النفس و رصد رائع لأدقّ انفعالاتها /
      انفعالات الكاتبة و البطلة على حدّ السواء/
      في امتزاج تجلى بشكل فني رائع تبعا
      لإضاءاته القيمة و المعمّقة بشكل كبير و مثرٍ.

      بداية توقفت عند العنوان "
      الإيقاع الفني بين النظام الداخلي للنفس ونظام العالم الخارجي"

      و الذي أحالني على التفكير في مدى إمكانية رصد هذا الإيقاع الفني كلما كانت العلاقة أكثر تباينا و تناقضا بين النظامين ..
      كلما زادت غربة الذات البشرية /و إن افتقرت لمقومات الكتابة و فنون التعبير بمختلف أشكالها/ عن محيطها كان
      إيقاع التجربة "الفنية" بشكل عام, أوضح و أعمق ..


      ثم انغمست في قراءة شيقة شرّع مبدعنا من خلالها نوافذ المعرفة و منحني فرصة الاقتراب أكثر فأكثر من تقنيات النقد
      و التحليل على مختلف الأصعدة ..

      فوجدتني أمام استنطاق بديع و إبحار في أعماق التأويل شكلا و مضمونا, جعلني استمتع بمطالعة النص و متابعة أحداثه من
      خلال زاوية نظر محترفة بلغت بنا درجة عالية من تجسيد مكنونات الذات البشرية و نحت ملامحها فتمثلت أمامنا و أضحت
      من المحسوسات التي يمكن إدراكها و التعبير عنها بسهولة ..

      قراءة جعلتني أسترجع لحظة الكتابة بكل تفاصيلها, فمثلا بالنسبة للعنوان "
      عزل صحي "

      و كما هو معلوم للجميع هو مصطلح غزا العالم في ظل الجائحة التي نعيشها اليوم,
      و قد لفت انتباهي مدى المفارقة التي تعكسها هذه الجملة على أرض الواقع, و التي كانت وراء تبلور فكرة النص في ذهني,

      ففي دولنا, دول العالم الثالث, قُوبل هذا المعنى
      عزل/حجر صحي
      بالخوف القائم على انعدام الثقة و من ثمّ الرفض, بل حتى أنه سُجّلت حالات هروب و تحيل للإفلات من تطبيق الحجر..
      فما تم التعارف عليه عندنا بالعزل الصحي هو أبعد ما يكون عن ذلك ..!!
      نظرا لمنهج الحياة و سياسة التعامل المتبعة عندنا
      و التي تناقض في جوهرها مدلول هذه الجملة و تفند معناها
      جملة و تفصيلا على أرض الواقع..

      هذا من ناحية, و من ناحية أخرى توقفت عند لفظ "
      عزل" و مدى توافقه/تنافره مع لفظ " اعتزال " الذي
      يكون
      طوعيا/اختياريا و الذي تمّ تبنيه و تثمينه من قبل مفكرين و فلاسفة على مر العصور و حتى من
      قبل أشخاص لن يذكرهم التاريخ
      لكن انتهت بهم التجارب الحياتية في آخر المطاف
      إلى إعلان العزلة " آخر المرافئ الآمنة "التي يمكن اللجوء إليها
      ..

      من هنا جاء النص لينقل انفعالات البطلة ضمن إطار زمكاني محدّد و قيود فرضتها الحياة و التزاماتها المعقدة
      و ضغوطها اللامتناهية, زمن الوباء أو خارج نطاق هذا الإطار الظرفي ..


      ختاما,
      كل الشكر لا يفيك حقكم
      مبدعنا الفاضل الفرحان بوعزة على هذا التناول البديع و الحضور الوارف
      و على قراءة فككت نصي المتواضع بشكل فني و تقني مميز مع إضاءة لافتة و مؤثرة للجانب الوجداني و النفسي ..
      منحني شعورا رائعا بالقدرة الفائقة في التغلغل في خبايا الشخصية و النجاح في ترجمة حركاتها و رصد أدق انفعالاتها ..

      بكل محبة و اعتزاز أضم هذه القراءة التحليلية الرائعة إلى مجموعة صفحات مضيئة
      أكرمني بها مبدعينا الأفاضل بقراءاتهم و تحليلاتهم الفنية المميزة..
      أرجو أن أكون عند حسن الظن دوما


      خالص الود و التقدير لك و لروحك الراقية

      دمتم بأمان الله و حفظه


    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Loading...

    توقيت مكة المكرمة

    sitemap