آخر المواضيع

  • مواضيع مميزة
  • <-> عساكم بألف خير <-> الفرق بين الأنا والأنانية <-> مضافة العمادة <-> زومبي <-> الفن القصصي بين النمطية والحداثة البنيوية <-> هي وجسد نصّه <-> قيد <-> قلب .. الفائز بالمركز الأول في المسابقة 2021 <-> استغفال\\ الفائز بالمرتبة الثانية في المسابقة 2021 <-> هلع حقيبة\\ الفائز بالمركز الثالث في المسابقة 2021 <->
  • مواضيع ننصح بمشاهدتها
  • <-> المسابقة التشاركية- بنك المعلومات <-> فن الرواية \ كولن ولسون <-> الكذاب البريء!! <-> قنديل الرغائب <-> كيف تستغني عن مراكز رفع الملفات <-> ما هي القصة القصيرة جدا \ م الصالح <-> مصراع نور \ م الصالح <-> نبارك للفائزين في المسابقات الرمضانية <-> الوطن ..خديعة كبرى <-> الومضة الحكائية والشعرية ..موروث عربي <->
  • مواضيع إلزامية
  • <-> عضو جديد! تفضل من هنا لو سمحت <-> أهلا بكم في منتداكم الجديد <->

    النتائج 1 إلى 3 من 3

    الموضوع: قراءة تحليلية لقصة/ فتنة ،،،/للمبدعة الدكتورة عايدة بدر/مصر

    1. #1
      أديب صورة رمزية إفتراضية للعضو الفرحان بو عزة
      تاريخ التسجيل
      Aug 2020
       الحالة : الفرحان بو عزة غير متواجد حالياً
       التقييم : 30
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      21
      بمعدل يومياً
      معدل تقييم المستوى
      0

      قراءة تحليلية لقصة/ فتنة ،،،/للمبدعة الدكتورة عايدة بدر/مصر

      قراءة تحليلية لقصة/ فتنة ،،،/للمبدعة الدكتورة عايدة بدر/مصر
      تحت عنوان: العلاقة المنتجة بين فعل الكتابة والعثور على المعنى الغائب في النص.
      القصة : فتنة ،،،
      يقتفي خطوها كلما خرجت من منزلها غير عابئ بوهج الشمس أو صقيع يدثر الطرقات ..
      يملأ أذنيها بعبارات غزله الرقيق عن فتنتها الطاغية ..
      كلما نظرت من خلف غيم نظارتها تبحث عنه ... و همت بتعديل انحناءة قامتها قليلا،
      وعقصت خصلات شعرها الأبيض خلف أذنيها.. يصمت الظل.
      1 ـــ دلالة العنوان
      فتنة،،،/عنوان نكرة، حمال لمعاني ودلالات قابلة للتأويل والاستنباط. وقد يبدو للقارئ أن عنوان "فتنة" مألوف، لكنه محفز ومؤثر على القراءة. يقول الدكتور مسلك ميمون:" والعنوان أو النص الموازي، إما أن يأتي مفردا في كلمة، قد يكون اسما أو فعلا، أو يأتي مركبا في جملة. فإن كان اسما قد يكون معرفا، و قــد يكون نكرة. و في كل حالة، حديث مستفيض.. ما أغرى الدارسين بالبحث في هذا المجال."(1)
      والملاحظ أن العنوان جاء متبوعا بعلامة الترقيم المتداولة (،،،)/الفاصلة/ بدل نقط الحذف. فماذا تعني الكاتبة بتلك الفواصل الثلاث؟ وهل هناك اختلاف بين الفاصلة وحدها والفاصلة المنقوطة؟ يقول الشيخ فيض الرحمن الحقاني." عـُــرّف علامات الترقيم في اللغة حسب ما ورد في معجم "القاموس المحيط" بأنّها علامات اصطلاحيّة تُكتب أثناء الكلام أو في نهايته، مثل: النقطة، والفاصلة، وعلامتيّ التعجب والاستفهام، أمّا معناها الاصطلاحي فهي عبارة عن علامات محددة توضع أثناء عملية الكتابة؛ بهدف تعيين مواطن الوقف، والفصل، والابتداء، وبيان الأغراض الكلاميّة، وأشكال النبرات الصّوتيّة خلال القراءة، وتوضيح المقاصد لتسهيل فهم المعاني في الجمل.(2)
      فالفاصلة غير المنقوطة ترمز إلى وقفة قصيرة، وتكتب في مواطن عدة، توضع بين مجموعة من الجمل، تتألف من كلام تام الفائدة لغرض معين. فما هو الغرض من تلك الفواصل الثلاث؟ إنها ترمز إلى وقفات قصيرة كما قلت آنفا، فبين الفاصلة والأخرى هناك كلام مغيب جرى كحديث نفسي بقي معلقا في ذهن الكاتبة. أشارت له بالفواصل المتتابعة كحدث عصي سوف يجري في هذه الفتنة. ولم ترد الكشف عنه ليبقى متوقفا على قدرة القارئ، وتشويقه لإنارته عن طريق التأويل والتخمين. فالعنوان "فتنة" يعتريه الصمت، لكن في داخله عواصف حبلى بأحداث متنوعة: تاريخية ،اجتماعية ونفسية ومرضية... فالعنوان "فتنة" قد يحدث وشوشة في فكر القارئ فينشط ذاكرته ويتساءل: فماذا تعني الكاتبة ب "فتنة"؟ أتعني بها فتنة اللهو واللعب؟ أم فتنة الإعجاب والإدهاش، أهي فتنة المال والأولاد والنساء، فهل تعني الابتلاء والامتحان؟ كالصد عن الطريق المستقيم من شرك وكفر والوقوع في المعاصي والنفاق، واختلاف الناس وعدم اجتماع قلوبهم. هل القصد من "فتنة"، الفتنة النفسية التي تدل على الحيرة واضطراب الشعور والإحساس؟ ما سبب هذه الفتنة؟ وهل يستطيع الإنسان أن يتخلص من فتنته؟ ما هي الوسائل الكفيلة لإخراجه من فتنته؟ كل هذه الأسئلة تبقى بدون جواب حتى يدخل القارئ عالم النص، فيعزز ما كان منسجما مع مضمون النص أو يتخلى عن البعض منها أثناء تحليل النص.
      2ـــ تحليل خطاب النص
      أ ـــ يقتفي خطوها كلما خرجت من منزلها غير عابئ بوهج الشمس أو صقيع يدثر الطرقات../
      فالقصة القصيرة جدا ترتكز على الخبر القصصي، وتهدف إلى ترسيخ فكرة، ورواية حدث تأملي أو اجتماعي وقع، فالساردة تبلغ عن واقعة حقيقية تحتمل إمكانية وقوعها أو تخيلها. والقارئ هو الذي يضيف إلى الحدث واقعا جديدا يتجاوز الإبلاغ، ويشارك في تحليل الخبر وتفسيره وشرحه عن طريق التأويل وطرح الأسئلة.
      بداية يمكن اعتبارها فضائية أو ظرفية، والتي تتحدد في الزمان والمكان، وتتضح البداية الفضائية الزمانية فيما يلي/ وهج الشمس/النهار/الصقيع/ الطرقات/. بداية قد تبدو مكونة من جملة طويلة، ولكن الكاتبة تعمدت أن لا تجزئ الجملة إلى جمل قصيرة عن طريق علامة الترقيم "الفاصلة" كما يلي/ يقتفي خطوها كلما خرجت من منزلها، غير عابئ بوهج الشمس، أو صقيع يدثر الطرقات../ فاختفاء علامات الترقيم في جملة بداية النص يدل على أن الجملة ذات محمول واحد، وهو اقتفاء الأثر / متى؟ / كلما خرجت منزلها/ وهج الشمس، صقيع يدثر الطرقات/ فاقتفاء الأثر يمكن أن يقع في أي وقت. فالفعل "يقتفي" يرسم صورة نابضة وحية للبطل وهو يتتبعها دون أن تشعر به، فالقارئ يتصور أن البطلة كانت تخطو بخطوها المعتاد وهي تسمع البطل يقذف بعباراته الغزلية مع مجاراة خطوها، إن أسرعت يسرع، وإن تباطأت يتباطأ.
      فهل كان يتتبعها ليسرقها؟ أو يسلبها شيئا ثمينا؟ هل كان يعرفها جيدا؟ هل هي من حارته أو جارته؟ هل هو في وعيه، أم في حالة غير طبيعة؟ هل هو مغرم بها؟ لماذا لم يصارحها بحبه؟ هل يتعمد السخرية والتهكم؟ قضايا أضمرتها الكاتبة، فالقصة القصيرة جدا لا تقول كل شيء، فعلى القارئ أن يعثر على الفجوات ويبحث عن ما تضمره من معاني ودلالات لبناء فرضيات قد تنير له المقصود من التتبع والاقتفاء.
      صورة متحركة تشد القارئ، وهو بدوره يصبح متتبعا للحدث، متلهفا إلى معرفة ما سيقع بين البطل والمرأة. مشهد لا يخلو من الحيوية والحركة التي تتم في فضاء يجمع بين حرارة الشمس وصقيع يكسو الطرقات. فكيف جمعت الكاتبة بين حرارة الشمس والصقيع المتجمد على الطرقات؟ فهل ترمز إلى زمن التتبع واقتفاء الأثر الذي يبتدئ من فصل الصيف إلى فصل الشتاء؟ أم تريد أن ترمز بذلك إلى التتبع المستمر والمواظب عليه في كل أوقات خروجها من المنزل؟ بطل لا يعرقل هدفه توهج الشمس ولا برد قارس. فاقتفاء خطوات البطلة قد يسبقه الترقب والانتظار، والحذر والحيطة، والتردد في الإقدام ليسير بجانبها أو يوقفها ويحاورها. مما يدل على أن البطل قد يكون من نفس الحي، أو من الجيران، وهو عامل ساعده على تتبع خطوها باستمرار.
      ب ـــ يملأ أذنيها بعبارات غزله الرقيق عن فتنتها الطاغية../ الفعل "يملأ" يوحي أن عبارات الغزل أصبحت مكرورة، لا تختلف عن عبارات الغزل المألوفة، وقد تختلف في الصياغة. فالبطلة حفظت ما يردده البطل دوما على مسامعها، لذلك لم تكن ترد عليه أو تعمل على صده. عملت الكاتبة على فتح الخطاطة السردية بإدخال عنصر "الفتنة الطاغية". فهل هي فتنة الجسد أم فتنة التدلل في المشي؟ فهل هي فتنة حركات جسدها أثناء المشي؟ فهل كانت تحس به أنه يتبعها؟ فهل كانت تتعمد تلك الحركات لإثارة نفسيته وشهوته؟ وهل كان البطل يعرف جمالها من قبل؟ ما علاقة البطل بالبطلة؟ أهي علاقة العمل؟ أم هو هاو لمراقبة النساء من الخلف؟ أم يشفي رغبته عبر النظر كنوع من الاستمتاع بالرؤية لجسد المرأة من الوراء؟
      رمزت الكاتبة ولمحت ب "الفتنة الطاغية" الزائدة عن حدود لباقة المشي للمرأة في الشارع، ودون أن تعمق البحث في الطابوهات التي تنتشر قي المجتمع، فتجنبت العبارات الخادشة للحياء. فتركت للقارئ الفرصة ليحدد موقفه ونباهته من خلال تجربته وثقافته. فانطلاقا من هذه الحالة يتبين أن العنوان "فتنة" ينسجم مع دلالة الفتنة التي تتجلى في رؤية جسد المرأة من الخلف، وهي تخطو بخطوات تولد شهوة متخيلة تجري في الفكر والشعور.
      ج ــــ كلما نظرت من خلف غيم نظارتها تبحث عنه .../ جملة سردية تبتدئ ب "كلما" وهي ظرف زمان مؤلفة من "كل" و "ما" المصدرية الظرفية. فالبحث عن البطل متعلق بنظرها إلى الخلف، فإذا لم تنظر إلى الوراء، فإن البحث ينعدم من الصورة المجسدة للقارئ، ولكن الكاتبة جعلت الصورة مكتملة أمام ذهن القارئ، ف "كلما" تفيد تكرار حالتي النظر والالتفات، يفصل بينهما زمن قصير، فالبحث له زمن قد يكون طويلا أو قصيرا. فكلما تكرر النظر تكرر البحث والتحقق من وجوده، معنى ذلك أنها كانت تشعر به وهو يقتفي أثرها. إما لتختبر مشاعره، أو خوفا من تهجمه عليها. فالبطلة استعانت بنظارتها التي قد تخفي عينيها لتتأكد من وجوده أو اختفائه؟ فهل كانت تتأكد من ملامحه الخارجية/وجهه/ قامته/ ملابسه/ ... فهل كان بصرها ضعيفا؟ وهل كانت نظارتها خاصة لعلاج ضعف البصر، أم كانت نظارتها هي للزينة. "من خلف غيم نظارتها" إما تدل على أن نظارتها من النوع الجيد، وهي للزينة والحفاظ من أشعة الشمس وبرودة الصقيع. وإما أن تكون معدة لوضوح الرؤية نظرا لضعف بصرها.
      أنهت الساردة حالة النظر والبحث بنقط الحذف (...) وهي تدل على كلام مسكوت عنه، وحركات قد تنم عن الحيرة والتساؤل. ماذا يريد منى؟ هل يريد أن يسرقني؟ هل يعرضني لحدث مشين؟ هل يريد أن يختطفني؟ هل هو صادق في غزله؟ هل أنا جميلة فعلا؟ وهي فجوات بقيت متوقفة على تأويل القارئ"الفائق" كما سماه الناقد الغامدي. فالقصة القصيرة جدا لا تحتمل الإضافات اللغوية والتفسيرات التي ينفر منها القارئ.
      فماذا وقع؟
      د ـــ و همت بتعديل انحناءة قامتها قليلا/ فالفعل "همت " يعبر عن صورة ذهنية لم تجر في الواقع، فهي نوت وعزمت أن تعدل انحناءة قامتها، ففعل "تعديل القامة" لم يتحقق، ولم يحدث واقعيا، فجرى الحدث على مستوى النفس والفكر والتخيل، ولم يجاوز التمثل والتفكير في إنجازه.
      ــــ وعقصت خصلات شعرها الأبيض خلف أذنيها../ فبعدما تخلت عن تعديل قامتها، لوت خصلات شعرها الأبيض على أذنيها حتى يبقى فيها التواء. فما الدافع لمحاولة تعديل قامتها؟ هل تريد أن تشعره بعيب يوجد في جسمها؟ وما الدافع للجوء إلى عقص شعرها تحت أذنيها؟ فهل تبرهن للبطل أنها امرأة لا تصلح له؟ فهل تعطيه علامات التقدم في السن /انحناء القامة/ الشعر الأبيض/ فهل تعمدت هذا السلوك لإبعاد هذا المشاغب الذي لم يحسن الاختيار؟ بطل حكم على جمال المرأة من الخلف، فهو اشتهى شيئا في هذه المرأة دون أن يفرق بين العمر والجمال. فالكاتبة لم تقدم شخصية البطل، ولم تحدد مكانته الاجتماعية والمادية، ولم تعرف بمظهره الخارجي، لكن من خلال تصرفه وسلوكه المشين يمكن للقارئ أن يتعرف عليه ويحكم عليه. أهو من المتشردين؟ أهو مخمور؟ أهو يتناول المخدرات؟ أهو متسول؟ هل هو في وعيه؟ هل هو أحمق؟ هل يسخر منها؟ ....
      إنها لحظة التأزم في القصة، نشأ عنها صراع مضمر وصامت تترجمه الحركة والفعل. لكن هذا الصراع انجلى بنهاية فيها تلميح وإيحاء إلى الاختفاء وعدم الظهور من جديد.
      ه ـــ يصمت الظل/ إن محاولة تعديل القامة، والعمل على توليد عقيصة من شعرها الأشيب، قد ترمز به البطلة أنها شبيهة بأمه، كامرأة متقدمة في السن، فما يراه من الوراءـــ ما أثار شهيته ـــ إلا جانبا من بقايا جمال مندثر. ألم تكن هذه المرأة صغيرة السن، فصبغت شعرها بالبياض للتزين. فمن خلال سلوك هذه المرأة، صمت الظل الذي تلبس بظلها والذي كان لا يفارقها لمدة من الزمن فكان الخلاص.. فماذا تعني الكاتبة بصمت الظل؟ هل انسحب وابتعد عن المكان؟ هل أحس بصدمة تجلت في خيبته؟ هل عاد البطل إلى رشده ووعيه؟ فالكاتبة عبرت ب "الظل" داخل سياق عقلي كمرادف للشخصية الموازية أو الافتراضية. فرمزت ب"الظل" لتلك الشخصية التي صاحبت تلك المرأة، شخصية تأخذ أشكالا مثيرة بتغيير شكله الأصلي في الخيال الإنساني، له جمالية في التشكل والتغير حسب المواقف والظروف التي يحضر فيها. وقد حضر هنا في قصة "فتنة" كرديف غامض، وكرفيق أعمته الشهوة، وبذلك يصبح رمزا للخطر والهجوم المصحوب بالعنف والهيمنة وإرضاء الشهوة بالقوة. وبذلك تخطت كلمة "الظل" الدلالة الأصلية إلى دلالة أخرى مطبوعة برمزية قابلة للتأويل. وبعيدا عن اختلافات النقاد حول تعريف الرمز، نرى الناقد صبحي البستاني إذ يقول في عبارة مختصرة:" الرمز تجاوز للدلالة الاصطلاحية إلى دلالة ثانية هي الدلالة الرمزية "(3)
      3 ــــ نهاية القصة
      نهاية القصة تكمن في الجملة السردية الأخيرة كعتبة للخروج" يصمت الظل" والتي جاءت بعد نقط الحذف(..) فالقارئ كان ينتظر أن يتطور الصراع بين البطلة والبطل، إلا أنه بدا في النهاية، استسلام البطل وتراجعه. وكان الانتصار حليف المرأة، انتصار قد يدفعها إلى إعادة النظر فيما يفتن الناس من جسدها/ لباسها/ خطواتها/ مشيتها/ ...وإن كانت تعتبر جسدها بعيدا عن الفتنة، فإن الناظر إليها يعتبره إثارة وشهوة مضمرة.
      قد يعتبر قارئ ما أن نهاية القصة نمطية، لكن الحركة الدلالية للحكاية أخرجتها من المألوف عن طريق التلميح والإيحاء والترميز، بعيدة عن الإخبار والإشارة المباشرة. /الإحساس بالظل المفترض يقتفي أثرها/ الالتفات/ البحث عنه/ العزم على تعديل انحناءة قامتها/ صناعة عقيصة من شعرها الأبيض/...إجراءات عملت بها البطلة من أجل الإنقاذ والخلاص. ومن خلال حيويتها وحركاتها عملت الكاتبة على بعث الحياة في القصة، جاعلة من شخصية المرأة شخصية نامية ومتحولة. ومن شخصية البطل شخصية ثابتة، سالبة ومهزومة. فكانت النهاية هي إسكات (البطل/الظل). فصمته يبقى موضع تساؤل: هل ندم على فعلته؟ هل يأخذ العبرة من الحدث؟ ومهما بالغنا في تأويل صمت "الظل" تبقى النهاية مربكة لأفق انتظار القارئ، نهاية تبدو لقارئ ما مغلقة، لكن لا وجود لنهايات مغلقة، فالقارئ هو الذي يحول نهاية القصة من المغلق إلى الانفتاح. فكل قارئ يفهم "صمت البطل" ويعمل على تحليليه تحليلا نفسيا كمرض سيطر على الإنسان العصري الذي تكسرت فيه المنظومة الأخلاقية بتوفر أدوات الزينة، كالأصباغ، والألبسة الضيقة، والسراويل اللاصقة، والصدريات المقورة الكاشفة للصدر، والعمل على تنحيف الجسد، أو الاهتمام بجانب من مكونات الجسم التي تثير في الرجل شهية غير مقبولة وممنوعة في الأخلاق والدين. فصمت الظل هو صمت المجتمع على مهلكات جاءت بها حضارة اليوم المادية، المبنية على تغيير الإنسان في عقله وعيشه ولباسه وعادات الأكل والنوم، وإرضاء شهوة النفس دون التفريق بين ما هو مباح أو ممنوع.
      استحضرت الكاتبة كلمة "همت" دالة في قصة "فتنة" / إذ ابتدأت الجملة السردية بها/ وهمت بتعديل انحناءة قامتها قليلا/ في إحالة لغوية لقصة سيدنا يوسف ( ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ، وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ) (4) إحالة مضمرة تضم حالة معكوسة في الآية/ وهم بها/ وهي لم ترغب في ذلك. فاتخذت مسلكا آخر لتريه برهان حيائها وتقدمها في السن، كحجة تجعلها أن لا تقبل على الفعل الذي كان البطل يرغب فيه، فكان منها أن صدته بطريقتها وسلوكها الذي لا يخلو من حكمة. رمزية دالة على كون المرأة شخصية تكسب جسدا مشتهى للرجل مهما كان عمرها، وما دامت عندها فتنة طاغية في جسدها تبقى كتجربة شعورية ونفسية أشارت لها الكاتبة كصورة التقطتها بفنية أدبية تكاد أن تتشابه في كل المجتمعات العصرية.
      4 ــــ بناء وتركيب
      قصة "فتنة" لخصت كل المعاني السالبة التي غزت المنظومة التربوية والأخلاقية في ظل توسيع مجال الحضارة العصرية دون التفريق بين ما هو إيجابي أو سلبي. فالكاتبة انطلقت من حدث بسيط يتجلى في تتبع امرأة وقصفها بعبارات الغزل، كمشهد يتكرر يوميا في كل مكان. إلا أن الكاتبة حرصت على أن يكون الحدث مفتاحا للتساؤل والبحث والتأويل، لأن المنجز القصصي القصير جدا له مساحة صغيرة لا يمكن إعادة تشكيل حياة موسعة من خلال جمل محدودة، لذلك انطلقت من المحيط الاجتماعي والبعد النفسي في الواقع، ومن رغبات النفس والسعي نحو شهوة فطرية تجري بين المرأة والرجل.
      وختاما
      فمن خلال قصة "فتنة" نجد الكاتبة قد فتحت مجابهة فنية بينها وبين القارئ، ومحاولة القبض عليه، وهو من الصعوبة بما كان، كما يقول أورا سو كيروغا، وهو قاص من الأروغواي"القبض على أرنب أسهل من القبض على القارئ". وكل قصة تنتمي إلى السرد الوجيز تحتمل الكثير من التأويلات والتفسيرات، وهذا ما يجعلها تستحوذ على نفسية القارئ، تاركة أثرا نفسيا وعاطفيا في ذاكرته، مما يحفزه إلى قراءة النص من جديد.

      .................................................. .............
      1 ـــ مقالات الدكتور مسلك ميمون في القصة القصيرة جدا/ أكادير /المغرب
      2 ـــ الشيخ فيض الرحمن الحقاني (2015)، علامات التّرقم وأصول الإملاء ، بيروت - لبنان : دار الكتب العلمية ، صفحة 30، 33. بتصرّف.
      3 ــــ صبحي البستاني ،الصورة الفنية في الكتابة الفنية ، دار الفكر اللبناني ، بيروت 1986،ص172.
      4 ــــ سورة يوسف/ آية /24.

    2. #2


      أديب
      الصورة الرمزية مصطفى الصالح
      تاريخ التسجيل
      May 2020
       الحالة : مصطفى الصالح غير متواجد حالياً
      الإقامة
      في الغربة
       البلد : فلسطين
        العمل : مهندس ومترجم
       هواياتي : القراءة والكتابة والترجمة
       التقييم : 603
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      5,343
      بمعدل يومياً
      مقالات المدونة
      6
      معدل تقييم المستوى
      10
      \\\\\\\\\\\

      ما شاء الله

      قراءة فاحصة شاملة

      كعادتك في كل الميادين ، أبدعت بحق

      والنص أعجبني جدا

      لم أجده من ضمن النصوص المنشورة هنا مع أن الدكتورة عايدة من أعضاء المنتدى

      دمت بروعتك

      كل التقدير
      من يزرع يحصد

      لا تبخل على الزملاء برأيك وفكرك، وهم سيفعلون مثلك!

      أنا كثير السهو والنسيان لذلك ذكرني بالشيء الذي تريد مني رؤيته


    3. #3
      نشيط الصورة الرمزية أحمد علي
      تاريخ التسجيل
      Oct 2020
       الحالة : أحمد علي غير متواجد حالياً
       التقييم : 40
      عدد المواضيع :
      المشاركات
      1,241
      بمعدل يومياً
      معدل تقييم المستوى
      6
      السللام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

      أحييك أخي الفرحان على هذه القراءة التفصيلية الممتعة ..
      وأحيي د. عادية بدر ، على هذا النص الراقي ..

      شكرا لكما

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Loading...

    توقيت مكة المكرمة

    sitemap