\\\\\.////المذياع العجوز يحاول جاهدا بث أغنية متهالكة تقارع المنطق، تمجد شفاه القائد التي زرعت المحبة والأمن والسلام في ربوع القلوب المقفرة، تبشر بربيع أسطوري يلحس الناس فيه أصابعهم، فالورد الملوكي الفاخر صار بيد عامة الشعب في عيد الحب، ما أحلاها من حياة...!
بيد طفلة مشردة قطعة حلوى مرّة، يطاردها ذباب وقح، والوحل العاهر يعاقر قدميها إلى ما فوق الشورت ذي الكشرة البريئة، تنظر باستغراب إلى العالم الجديد، تشاور نفسها: هل تحفظ المعالم أم لا داعي لذلك!
على كرسي قش يلحس التراب يقرأ تراتيل الوداع، يجلس خمسيني متمرد على نفسه، قد أثخنته جراح التهجير، وشبع من الهرم، يلوك الوقت، ينفثه مع دخان أرجيلة رعناء، وكلمات سمجة للغاديات تارة، وللرائحات تارة أخرى، رغم وسامته إلا أيا منهن لا تريد الموت بين يديه...
يخلع الطريق المارة، يداعبه الملل، فيخاطب شابا درويشا في الداخل عن أمجاده في حرب البسكوت، وأنه لا بد عائد لمزرعته وبيته الخرافي الذي لا يعرفه أحد.
قال الشاب: انقطعت الكهرباء وانغلق التلفاز
رد عليه: يا أهبل هل عندنا كهرباء أو تلفاز أصلا؟
أنت لا تصدقني...!!
وقبل أن ينهي جملة بل أصدقك نظر إلى الخيمة المفجوعة بالوقت على الجهة المقابلة وهي ترفرف، وتطير بما ومن فيها، أحشاؤها القليلة تبعثرت في الأرجاء بحالة انعدام النبض..
هب من مكانه كالملدوغ، راح يبحث بين الأشلاء المتناثرة، وجد المصاصة، لكنه لم يجدها، وعندما أيقن أنها في السماء السابعة.. جلس يبكي ويتحسر، بحث عن لعبتها التي صنعتها لها أمها من القماش والقطن، وذلك قبل أن تحلق الخيمة السابقة بها مع الطفل الآخر...
تهلل وجهه فرحا، وتحولت دموع الحزن إلى دموع الفرح وهو يرى طفلته تخرج من البقالة مع الشاب، تنظر ببراءة وتلوح له بيدها، كانت تريد أن تركض إليه لولا أن الشاب لم يترك يدها، كان الشاب ينظر إليه متجمدا بلا حراك، لا يستجيب لكلامه... كأنما يرى خارجا من قبر...
حين أفلتت الطفلة من يده لتنطلق نحو أبيها، كان يرتفع في الهواء ويسقط أشلاء أمامها..
كان هذا هو آخر تواصل لها مع الحنان..